واستثمار القراءة الموسعة في تعليم الكتابة مجال رحب واسع، له تطبيقاته وجوانبه المتعددة، ويتحكم في اختيار هذه التطبيقات طبيعة المهام التعليمية المراد تحقيقها، ونوع النص القرائي؛ ولذلك فإن حسن اختيار الموضوع القرائي وإدارة المكتبة في أنشطة القراءة الموسعة يمثل مدخلاً صحيحا لتنفيذ تلك المهام التعليمية بنجاح، فالتخطيط من المراحل التحضيرية الهامة لممارسة الكتابة داخل بيئة توفر الفرص الكافية من الأنشطة المتنوعة، ويغلب أن يقوم بهذا الدور مخططو البرنامج الذين حددوا المهام التعليمية وفق الأهداف المرسومة من تعليم القراءة الموسعة وأهداف النشاط الموجه الذي ينتظم فيه الطلبةُ ، وقد يكون المعلِّم أحد هؤلاء المخطِّطين. وقد تلقى هذه المسؤولية كاملة على كاهل المعلم في أحوال كثيرة.
والفكرة الأساسية في توظيف القراءة لأغراض الكتابة قائمة على استجابة القارئ وتلقيه للنص الذي بين يديه، وربط أنشطة القراءة الموسعة كتابية وشفاهية بتنمية مهارات الكتابة الوظيفية المتنوعة وصولا إلى مهارات البحث العلمي لدى الدارسين، على نحو يجعل الطالب قادرا على فهم اللغة العربية الأساسية، وذلك بالتركيز على موضوعات تعالج النصوص بما يكفل تحقيق العناصر المطلوبة في عملية الكتابة التي تمر بمراحلها الطبيعية، من توليد الأفكار ثم صياغتها ومراجعتها مع المعلم وتبييضها ونشرها في لوحة التميز بالجناح
وعلى الرغم من تفاوت العلماء تفاوًتا يسيرا في تحديد استراتيجيات تعلم الكتابة بوصفها عملية معالجة؛ إلا أن أكثرهم يتفقون على أنها : تخطيط المعلم، والتخطيط للكتابة، وكتابة المسودة، واستجابة المعلم، والمراجعة، والتحرير اللغوي، والتقييم، وما بعد الكتابة , وظاهر أن هذا النموذج شامل ويتجاوز استراتيجيات تعلم الطالب إلى استراتيجيات تفاعل المعلم والمتعلم لتحفيز الطالب وتنمية عملياته المعرفية قبل الكتابة وفي أثنائها وبعدها، لاستثمار الذخيرة الثقافية التي تقدمها النصوص والمواد في المكتبة .
والكتابة ليست موهبة إلهية تتحكم فيها قوانين الوراثة غالبا، وإنما هي قدرة مكتسبة كاللغة التي يتلقاها الفرد من مجتمعه. والتمكن منها ليس مستحيلا، وكل طالب باستطاعته أن يصل إلى المستوى الجيد فيها، ولعل من أهم العوامل المساعدة على الكتابة الجيدة هي:
- القراءة الموسعة والاطلاع على الكتب التي تشمل أساليب سليمة ولغة فصيحة.
- الثروة اللغوية، فهي زاد الكتابة الواضحة التي يفهمها كل من قرأها.
- معرفة قواعد النحو والصرف بحيث تحميه من الوقوع في الأخطاء النحوية
والصرفية.
- إتقان الرسم الإملائي من أجل وقوف القارئ على المعنى الذي يقصده الكاتب.
- التجاوب مع الموضوع من خلال قناعة الكاتب، فالذي يقتنع بأمر يسهل أن يكتب عنه.
ويتكئ النشاط في القراءة الموسعة في جانبه الاتصالي على تفعيل الأنشطة الاجتماعية نظرا لما تحمله من حالة الارتباط الشعوري والنفسي باللغة الممارسة أثناء النشاط الاجتماعي، وهو أمر يسهل من تفكك العقد التعليمية التي تعرقل مسيرة تعلم اللغات بشكل عام, وهي خطوة تعتمد على آلية التخطيط اللغوي الموصل إلى عملية التعلم والتعليم الفعال، ولابد للمدرسين من إتاحة أكبر الفرص للطلبة للمشاركة في جميع الأنشطة التي تساعد على تحسين المهارات اللغوية الفردية، ويمكن إجمال هذه الأنشطة في الآتي :
1ـ إقامة الندوات التي تشجع الدارسين على حب اللغة وترفع من مستواهم، وتقوي رغبتهم في دراستها والحرص على الأنشطة المتعلقة بها .
2ـ عقد المناظرات والمناقشات، إذ لها دور في تنشيط المتعلمين نحو التعلم الجيد، وكلما شعر الدارسون بدورهم في التعلم كلما زاد اجتهادهم لتحقيق النجاح .
3ـ تكثيف الحوار بين الدارسين باللغة العربية تحت رقابة أساتذة متخصصين .
4ـ إتاحة الفرصة للطلبة للاحتكاك بالبيئة الخارجية والتعامل معها من خلال أنشطة متنوعة كالرحلات, والزيارات العلمية، والندوات والمعارض، ومشاركة المعاهد والجامعات المناسبات، والهدف من ذلك كله الاطلاع على أكبر كم من المعلومات وتبادل الخبرات، ومباشرة الطالب ذلك بنفسه مما يسمح له بصقل معارفه بعيدا عن غرف الدراسة، والحكمة ضالة المؤمن، فحيثما وجدها فهو أحق بها .
5ـ القراءة والعودة إلى المصادر بمختلف أنواعها، إذ هي مبدأ التعلم الحقيقي ، وقد حث الإسلام على القراءة، وعملا بقوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
وينبغي أن تتناسب المواد التي تقدم للطلبة مع بيئة التعلم وأهداف الدولة التي يقيم فيها المعهد وأغراض الدارسين أنفسهم، فالحكايات والقصص المستخدمة في بيئة قد لا تتناسب مع بيئة أخرى، وأحيانا تكون الصور أو المناظر التي تستخدم في المواد المعروضة قد لا تتناسب مع ثقافة المجتمع المسلم, فعلى سبيل المثال: تشتهر المجتمعات الإسلامية بكره الكلاب والخنازير، وبعض الصور المنافية لقيم العفة والحياء ولا تتماشى مع بيئة الدارسين، والإنسان إذا كره شيئا ترفعت نفسه عن قبوله مهما تغير القالب الذي قدم فيه .
وقد تواترت عبارات الباحثين حول التأكيد على العلاقة بين القراءة والكتابة لأن الجمع بين القراءة الكتابة يمكن أن يساعد الطلاب على تحسين قدراتهم اللغوية، خاصة وأن القراءة هي المدخلات والكتابة هي المخرجات ، وبشكل أكثر تحديدا، فالقراءة الموسعة والكتابة معا أكثر فائدة لتحسين المهارات اللغوية لدى الطلاب من مجرد الاكتفاء بأنشطة القراءة الموسعة دون التدريب على الكتابة ، بل هي وسيلة ممتازة لتحسين إتقان اللغة لما توفره من فرص للدارسين على التفكير الناقد، وتنظيم الأفكار، وتبادل المعارف ، ثم إن لمهارة القراءة علاقة وثيقة بالمهارات الأخرى وهي ليست منفصلة عن بعضها بعضا، فهي مرتبطة على نحو متكامل ببعضها ؛ فالصوت يجمع بين مهارتي الاستماع والكلام، ويجمع الرمز الكتابي بين مهارتي القراءة والكتابة، والكلام والكتابة مهارتا إنتاج، والقراءة والاستماع مهارتا استقبال واستيعاب .
وبالتالي فإن العلاقة بين القراءة والكتابة علاقة تكاملية ؛ ذلك أن عملية تكوين قطعة مكتوبة تعتمد على إعادة قراءة ما تمت كتابته، كذلك فإنه قبل الكتابة تتم عملية القراءة بحثاً عن المعلومات التي نحتاج إدخالها في النص الكتابي، وهكذا فإن عملية الكتابة تعتمد على القراءة قبل وفي أثناء عملية الإبداع اللغوي، وبعد الانتهاء من عملية كتابة النص للقيام بتعديل بعض الفقرات التي نرى أنها بحاجة إلى تعديل , وبالله التوفيق