معيض أحمد الغامدي
::: المشرف العام :::
معلومات العضو
نشاط معيض أحمد الغامدي:
-
1,314
-
0
-
0
- فكر يستحق القراءة
أنت عبقري !!
حمزة بن ذاكر الزبيدي
محاضر بجامعة الملك عبدالعزيز - جدة
يذكر الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله أن بداياته الدراسية لم تكن موفقة حيث رسب في الصف الرابع الابتدائي والصف الأول الثانوي ونجح في الدور الثاني ورسب في الصف الثاني ثانوي وأعاد السنة وحصلت الانقلابة الكبرى ونقطة التحول في حياته في الصف الثالث ثانوي حينما قال له استاذ التاريخ وبدون مقدمات :أنت عبقري !! يقول : فاشعلت كلماته التحدي في نفسي وكنت أتصرف لأثبت له توقعاته مني فكانت الشرارة التي أضاءت لي الطريق !!
الدرس الأول : لقد أدهشتني هذه الصراحة المتناهية لواحد يعد من أكابر المفكرين في هذا العصر .. لم يصنع الرجل له تاريخاً مزيفاً من العبقرية الفذة منذ طفولته ! بل نقل الصورة كاملة لتتلقى الأجيال الدرس كاملاً وبشحنته العاطفية التي تسري في الأرواح ليدب من ورائها الأمل بوجهه المشرق !
أن تقوم الشخصية الناجحة والمتميزة ذات العبقرية الفذة فتحكي للأجيال اخفاقاتها وأخطاءها ليوقن الجيل أن ثمة أمل وثمة ضوء يشع من بعيد وأن الإخفاق في مرحلة ما إنما هو المخاض العسر لولادة النجاح والتفوق !
وهو في نفس الوقت عامل نفسي قوي وجاذب للاستمرار مع الشخص في اطروحته والارتياح لأفكاره حينما نرى أن هذا الشخص لا يصنع لنفسه هالة أو قدسية تكبل أفكارنا أن ترفض أو تناقش أو تتمرد على شيء مما يقال . وإنما هي الانسيابية والصدق والشفافية
الدرس الثاني : الحكم على الأشخاص لا يجوز أن يكون جائراً ومتطرفاً ليتبعه بعد ذلك التجاهل ثم التقصير ثم النسيان ثم التعطيل ثم الحرمان .. حرمان الشخص من نفسه .. وحرمان مجتمعه وأمته منه .
لا ينبغي أن يكون اصدار الاحكام على الاشخاص شاملا فيصبغ القصور في جانب كل جوانب الشخصية !
ولا ينبغي أن يكون الحكم نهائياً .. بل يجب أن يكون قابلاً للاستئناف .. بل للنقض في أحايين كثيرة .
ثم هل من يقوم بعملية التقويم شخصية جديرة ومؤهلة تملك من مؤهلات التخصص والخبرة والاتزان النفسي والعقلي ما يكون مسوغاً لها لتقوم بهذا الدور !
الحكم على الاشخاص ينبغي ألا يصدر من شخص واحد أوجهة واحدة فذاك مدعاة للخطل والزغل والأهواء ونزغات الشيطان والحالة المزاجية والمواقف الشخصية !
لا ينبغي أن يتصف حكمنا وتقييمنا للاشخاص بصفة النهائية والقطعية .. بحيث يكون غلاً في عنق صاحبه لا ينفك عنه بحال .. بل على العكس من ذلك هو قابل للتغير والتجدد متواكباً مع التغير الحاصل لهولاء الاشخاص من زيادة علم ومعرفة وذهاب لفورة الصبا والمراهقة وتغير في الاحوال ....
ا
لدرس الثالث : نقطة التحول والانقلاب في درس الرياضيات هي النقطة التي يتغير فيها سلوك الدالة ..أغلب الناجحين والمبدعين مرت بهم في حياتهم نقطة التحول والانقلاب التي كانت أشبه ما يكون بثورة سلمية في حياتهم .. ثورة في قلوبهم وسلوكهم ومشاعرهم وطريقة تفكيرهم .. تحول في اهتماماتهم واتجاهاتهم .. انقلاب هائل حتى في منظومة القيم التي تحكم تصرفاتهم واختياراتهم.. بل إن هذا النقطة حيرت التربويين وقلبت نظرياتهم رأساً على عقب !!
هذا التحول والمرور بهذه النقطة يأتي على قدر من الله العليم الخبير الذي يقول للشيء كن فيكون ! ينقلب فيها عابد صنم يصنعه بنفسه من تمر ثم إذا جاع أكله إلى عبقري وشخصية فذة ملهمة أطاحت بأعظم امبراطوريتين عرفهما التاريخ فارس والروم ، ويتحول قاطع الطريق ليكون إماماًً للحرمين !! والضارب بالمزامير ليكون أحد القراء المشاهير !! من أن يكون حاملاً لواء هبل واللات والعزى الى سيف الله المسلول !... الخ من النماذج والصور غير المنتهية من نقاط التحول والانقلاب في حياة البشرية على مر العصور والازمان وهي ليست على نمط واحد بل تأخذ صوراً وأشكالاً متعددة لكنها تتفق في جوهرها أن ثمة ثورة على السائد من الافكار والتصورات والمشاعر والاهتمامات والقيم !!
الدرس الرابع : المسيري رحمه الله وغيره من العباقرة كان لديهم الاستعداد للعبقرية والموهبة والتفوق والابداع .. ووجود الاستعداد والقابلية لا يكفي لأنها وحدها سوف تضمر وتتلاشى !! بل تحتاج لعامل آخر وهو موقد الشعلة .. من يطلق الشرارة في تلك النفس .. ويستمر في النفخ على تلك الشرارة لتكون مشعلا للبشرية جمعاء !!
نحن بحاجة لذلك الموقد الذي يهتف بالقلوب والارواح قبل الآذان والأشباح .. الذي يتفانى ويستمتع برؤية السرور والفرح بالانجاز على صفحات وجوه طالما أرهقها غبار التحطيم والتثبيط والسخرية والاستهزاء !! يكون صادقاً في ثنائه على المحاولات الناجحة ولو كانت صغيرة .. فهي تمثل صغار الحطب الذي يوقد تلك الشعلة ! تلك المحاولات الصغيرة هي مجاهدات مضنية لتلك النفس التي تحاول أن تنفك من أسر القيود المحطمة .. إن استقبالنا الايجابي لتلك المحاولات يثمر محاولات جديدة أكبر من سابقتها . وتدعيم لذلك السلوك وضمان بإذن الله لاستمراريته وحماية لتلك الشرارة أن تنطفىء !!
ياللحسرة أولئك الذين يتفنون في إطفاء تلك الشرارات الايجابية .. إنهم يخسرون قبل أولئك الضحايا .إنهم يخسرون انسانيتهم .. ويخسرون الأجر .. ويخسرون أفراح الروح ولذة العطاء.. ويخسرون إمتداد العمر في هذه الحياة .. يخسرون مجتمعهم وامتهم حين يئدون مواهبه ويحرمونه من كنوزه في زمن التنافس والصراع والتدافع !!
ودرس أخير .. إننا بتحفيزنا وتشجيعنا لمن حولنا نستثير فيهم كل معاني الجمال والرغبة في التقدم والنهوض .. إننا نقول لهم ما زلنا نثق فيكم وفي قدراتكم وامكاناتكم .. ما زلنا نراكم في أعيننا كباراً .. ما زالت مكانتكم عندنا علية .. نحن نراكم بقلوب مليئة بالحب والاعجاب .. تماماً حينما نصفق للطفل وهو يتعثر في خطواته الأولى .. وهو يتشبث بأقرب جدار أو سند ليثبت لمن حوله أنه ما زال على الطريق وأنه عما قريب سيركض في ميدان الحياة !
هو درس لنا أن نزيد من قاموسنا التحفيزي والتشجيعي لأبنائنا وبناتنا ولطلابنا ولمن حولنا وأن نرفع من رصيد ثروتنا اللغوية الايجابية المحفزة لعلنا أن نكون سبباً في أن نقدم لأمتنا عباقرة من أمثال المسيري!