نشاط أشواق هاشم:
-
15
-
0
-
0
- المبدأ التكاملي في تدريس اللغة
المُدْخَل التكاملي في تعليم اللغة العربية بمراحل التعليم العام : أسسه النظرية وتطبيقاته التربوية
" نحو بناء لغوي متماسك "
ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر العالمي الأول للغة العربية وآدابها " إسهامات اللغة والأدب في البناء الحضاري للأمة الإسلامية – تحت محور سبل توجيه عملية تعليم اللغة العربية وتعلّمها نحو البناء الحضاري للأمة "
18 – 20 ذو القعدة 1428هـ / 28 – 30 نوفمبر 2007م
إعداد
د . دخيل الله بن محمد الدهماني
" نحو بناء لغوي متماسك "
ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر العالمي الأول للغة العربية وآدابها " إسهامات اللغة والأدب في البناء الحضاري للأمة الإسلامية – تحت محور سبل توجيه عملية تعليم اللغة العربية وتعلّمها نحو البناء الحضاري للأمة "
18 – 20 ذو القعدة 1428هـ / 28 – 30 نوفمبر 2007م
إعداد
د . دخيل الله بن محمد الدهماني
أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية المشارك
كلية التربية – جامعة أم القرى
1428هـ / 2007م
مقدمة :
إن أيَّ مجتمع ينشد التقدّم والرقي ، ويبحث لنفسه عن مكان مميّز في هرم الحضارة ؛ لابد وأن يحسنَ العناية بلغته ، ويعملَ جاهداً ، بما أوتي من بصيرة ، على تذليل الصعوبات والعقبات التي تعترض مسيرة تعليمها ، ويبحثَ عن كل ما من شأنه تطوير تعليمها وتعلّمها بحيث يساير الاتجاهات التربوية الحديثة في تعليم اللغات وتعلّمها ؛ ليكون تعليمُها تنميةً لفكر الإنسان ، وصوغاً لوجوده الداخلي .
ومن المؤكّد أن أول متطلبات الارتقاء والنهوض بتعليم اللغة العربية أن يكون هناك تخطيطٌ لغويٌّ محكمٌ ، لا يقلُّ الاهتمام به عن أي تخطيط اقتصادي ، أواجتماعي ، أوعسكري ؛ لأن اللغة هي صائغةُ الوجود الداخلي للإنسان والأمة بأسرها ، بل إن أيَّ تخطيط لجانب من جوانب الحياة في الأمة ، لا يستقيم أمره ، بعيداً عن التخطيط المحكم لسلامة وصحة الوجود الداخلي للإنسان نفسه ، ولفكر الأمة ، وعلى رأس قائمة هذا التخطيط يتربّع التخطيط اللغوي ( عثمان ، 1986م : 20 -21 ) .
تؤكد الأدبيات المتاحة في مجال تعليم اللغة على أن من مهام التخطيط اللغوي تصميم المداخل التعليمية المتسقة مع طبيعة اللغة ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ومع نتائج البحوث في علم اللغة الحديث ، وما يناسبها من طرق التدريس التي تتيح للمتعلّم ممارسة اللغة ، واستخدامها ؛ وصولاً إلى الاستدخال اللغوي ، الذي يؤدي بالمتعلّم إلى تعلّم اللغة ، وبالتالي تماسك لبنات بنائه اللغوي .
إن تصميم المداخل التعليمية يساعد واضعي مناهج تعليم اللغة ومنفذيها على توجيه تعليمها وتعلّمها نحو تحقيق غاياتتها ؛ حيث إن تصميم المداخل يشير إلى النظرية اللغوية التربوية التي يتبناها واضعو المنهج التعليمي اللغوي ، مما يؤمّن المناخ التعليمي الملائم لسير العملية التعليمية ، ويعمل على تحقيق أفضل النتائج .
وجدير بالذكر أن المدخل التعليمي تتبلور فيه فلسفة تعليم اللغة وتعلّمها ، وتؤطَّر فيه كافة المناشط الفاعلة للارتقاء بالأداء اللغوي للمتعلمين ، في صورة برامج تعليمية تتحقق فيها فلسفة المعرفة ، وأسس التربية ونظريات علم اللغة ، ونظريات علم النفس اللغوي ، ونظريات علم اللغة الاجتماعي ؛ لتحقيق أهداف تعليم اللغة ، وإحداث تعلّم لغوي أفعل ،كما تتحقق في المدخل أسس بناء مناهج تعليم اللغة ، وتنظيم محتواها ، وتحديد طرق التدريس المستخدمة ، والوسائل وأساليب التقويم وأدواته .
وقد تجاذبت تعليم اللغة تنظيراً وتطبيقاً مداخل عديدة ، كان من أبرزها : المدخل الموضوعي " التفريعي " ، والمدخل التكاملي ، والمدخل المهاري ، والمدخل الاتصالي ، والمدخل الوظيفي . وهذه المداخل ليست الوحيدة التي توجه ، وتضبط تعليم اللغة ، وإنما هناك مداخل أخرى كثيرة ، بعضها يتصل بالنشاط اللغوي ، وتحديد الأهداف ، وتنمية الإبداع ، وتفريد التعليم ، والتعلّم الذاتي ، فضلاً عن المدخل التقني الذي أخذ يفرض نفسه بقوة على تعليم اللغة ؛ استجابة طبيعية للتفجر العلمي والتطور التقني في العصر الحاضر .
وبمراجعة أدبيات تعليم اللغة العربية يتبيّن أن حظ تعليمها من هذه المداخل قليلٌ جداً مقارنة بتعليم اللغات الأجنبية ؛ فتعليم اللغة العربية ما زال يستند إلى مداخل تقليدية عفى عليها الزمن ، لم يعد لها ذكر سوى في أدبيات تعليم اللغة العربية ، حيث مازالت مناهج تعليمها في مراحل التعليم – في غير بلد عربي - تصمم وفق المدخل الموضوعي " التفريعي " مدخل تفتيت الخبرة اللغوية ، التي يفترض أن تقدّم للمتعلّم متكاملة تكامل اللغة نفسها .
إن اللغة العربية لغة القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، ولغة الخطاب ، ولغة التعليم في غير بلد عربي إسلامي ، بها يتعلّم التلاميذ ، وبها يعبرون عن أفكارهم ، وأحاسيسهم ، ورغباتهم ، وحاجاتهم ، فضلاً عن اكتسابهم – عن طريق تعلّم اللغة – طرق التفكير في المجتمع . وفي هذا السياق يؤكّد لويس ( 1959م : 49 ) على أن الفرد يكتسب من اللغة طرق التفكير في المجتمع الذي يعيش فيه ، وأن في اكتساب الطفل اللغة في المدرسة اكتساباً لطرق التفكير في المجتمع .
ومن المؤكّد أن الاهتمام باللغة العربية تعلماً وتعليماً اهتمام بالقرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، ومحافظة على الهوية العربية الإسلامية من الذوبان ، وأن أيَّ تخطيطٍ في المجتمع ينبغي أن يكون على رأسه تخطيط لغوي يعبر عن فكر الأمة ؛ ذلكم أن حياة الأمة مرهونة بحياة لغتها ، وارتفاع بنيان حضارة الأمة معتمد على ارتفاع لغتها ، وأن اللغة عندما تقوى تشتدّ أركان الحضارة ( عثمان ، 1986م : 19 ) .
وحيث ذلك ، فإن تبني أفكار مُدْخل تعليمي يساير طبيعة اللغة العربية في بناء مناهج تعليمها ، وتطوير طرق تدريسها ، وتعليمها للتلاميذ في مراحل التعليم العام يعتبر مطلباً تربوياً وتعليمياً ملحاً ، للتخفيف من الأزمة التربوية الحادة المتمثلة في تدني كفاءة وفاعلية مخرجات التعليم بكافة مراحله ومستوياته ، ومنها المخرج اللغوي .
مفهوم المدخل :
تعرّفُ بعض أدبيات تعليم اللغة العربية المُدْخل Approach لغوياً على أنه مكان الدخول وزمانه ، فهو اسم زمان واسم مكان معاً ، أي يناط به تحديد نفطة البداية المكانية ، وزمان البداية في أي نشاط ، وفي مجال التربية يعني المُدْخل الترجمة التربوية لنظرية المعرفة في صورة برامج تعليمية تتحقق فيها فلسفة المعرفة نفسها ، وأسس التربية ونظريات علم النفس ؛ من أجل تحقيق الأهداف المبتغاة سواء أكانت أهدافا للمجتمع أم للفرد ، وتتحقق في المدخل أسس المناهج ، وتستوفى عناصرها المعروفة : أهدافاً ومحتوىً وطرائق تدريس ومناشط تعليمية وأساليب تقويم ( الناقة ، 1985م : 51 ) .
ويرى بعض المختصين بتعليم اللغة أن المُدْخل هو عبارة عن مجموعة افتراضات ( لغوية ونفس لغوية ولغوية اجتماعية ) تربطها مع بعضها علاقات متبادلة ، تتصل اتصالاً وثيقاً بطبيعة اللغة ، وطبيعة عمليتي تعليمها وتعلّمها ، إنه عملية اختيار منظمة تتمخّض عنها المبادئ الرئيسة لخطة تعليم اللغة ، وتستند إلى نتائج العلوم المتداخلة : علم اللغة ، وعلم النفس اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي ( بادي ، 1406هـ : 86 ) .
إن عملية وضع مُدْخل لتعليم اللغة عملية تُنسجُ خيوطها الفكرية على مستوى التخطيط اللغوي قبل تصميم مناهج تعليم اللغة وبنائها ، عملية ترتبط بكيفية اختيار المادة اللغوية التعليمية ، وكيفية تدريج المادة اللغوية التعليمية التي تمّ اختيارها ، وكيفية تقديم المادة التعليمية اللغوية التي أُختيرت ودُرِّجت ، ثم بعد هذا وذاك كيفية تقويم ما اختير وما دُرِّج وما قدِّم .
ومن المؤكّد أن تبني مُدْخلاً بعينه لتعليم اللغة وتعلّمها عملية فكرية قائمة على التخطيط المحكم والأفعال العقلانية بعيدة كل البعد عن العشوائية والارتجال ، تنعكس نتائجها على تخطيط مناهج تعليم اللغة وبنائها ، وتنفيذها ، وتقويمها وتطويرها . فالمدخل التعليمي اللغوي الذي يتبنى فكرة الكم اللغوي واعتبار اللغة كماً من المواد الدراسية ( فروعاً ) ؛ سيرتكز في اختيار المادة التعليمية اللغوية وتنظيمها وعرضها على تفتيت اللغة في مواد مستقلة مجزأة ، لكل مادة منهجها ، وكتبها ، وحصصها ، ومناشطها اللغوية المستقلة ، وكذلك تقويمها بمعزل عن تقويم غيرها من المواد اللغوية الأخرى ، بل وربما كان لكل مادة منها معلّمٌ مختصٌ بتعليمها !! أما المدخل التعليمي اللغوي الذي يتبنى فكرة التكامل أسلوباً في اختيار المادة التعليمية اللغوية وتنظيمها وتقديمها وتقويمها ؛ فإنه سوف ينطلق من فكرة ترابط مهارات اللغة وتكاملها ووظيفيتها متجاوزاً التفريع إلى التكامل والوحدة .
إن الأفكار التي ينطوي عليها المدخل التعليمي اللغوي تأخذ طريقها إلى معلمي اللغة لتنفيذها من خلال وثيقة المنهج ، فيتأثرون بها ؛ فالمعلّم الذي يعتقد بأن تعليم اللغة تعليم موادٍ لغوية منفصلة سوف يعنى بالمعرفة اللغوية على حساب مهارات اللغة ووظيفتها وتعليم ثقافة اللغة ، وبالتالي سيوجِّهُ أساليب التدريس وإجراءاته ومناشطه لتحقيق ذلك ، وتوجيه جهود المتعلمين نحو المعرفة والحفظ وتخزين المعلومات ، في حين أن المعلّم الذي يدرك تمام الإدراك بأن اللغة وحدة واحدة وكل متكامل ، فإنه سوف يُعنى بإعداد دروس لغوية يساعد من خلالها المتعلمين على تعلّم اللغة وتعلّم ثقافتها واكتساب مهاراتها ، وسوف يوجه مناشط التعليم لخدمة هذه الفكرة ( سلام ، 1993م : 99 ) .
وجدير بالذكر أن وضع مدخل لتعليم اللغة عملية منظمة تتمخّض عنها المبادئ والأسس الرئيسة لخطة تعليم اللغة ، ففي المُدْخل تحدد المواقف اللغوية الاجتماعية وما يدخل فيها من أمور يجب مراعاتها في تعليم اللغة ، مثل الثقافة والتقاليد الاجتماعية التي تنعكس في اللغة . كما أن خصائص اللغة تفرض نفسها على تعليم اللغة من خلال المبادئ التي يتضمنها المُدْخل عادة ، فاللغة العربية – على سبيل المثال – لغة اشتقاق ، ولهذا ينص المُدْخل على تعليم الاشتقاق ؛ لما له من أثر في التنمية اللغوية لدى المتعلمين . أما نظريات علم النفس اللغوي فتتمخض عنها استراتيجيات التعلّم ونماذج الأداء ، حيث إنها تلقي الضوء على كيفية اكتساب اللغة ، وأساليب التعلّم اللغوي ، وأبرز الطرق التي من خلالها يمكن للمتعلّم أن يتعلّم ، كالنشاط ، والمحادثة ، والحوار ، والتدريب ( بادي ، 1406هـ : 87 ) .
مفهوم التكامل :
التكامل هو تحقيق الكلية والكمال والوحدة ، عملية تحدث في المتعلّم ، تعني أن ما يتعلّمه يصبح جزءاً من شخصيته ، يمتزج بما لديه من فهم وقدرات واتجاهات ، ليكون ما تعلّمه مفيداً وذا معنى عنده ، يُترجمُ في سلوكه مباشرة ، ويتفاعل مع خبرات أخرى سابقة لديه ( مراد ، 2002م : 15 ) .
وفي مجال تعليم اللغة فإن التكامل أسلوب لتنظيم عناصر الخبرة اللغوية المقدّمة للمتعلّمين ، وتعليمها بما يحقق ترابطها وتوحدها بصورة تمكنهم من إدراك العلاقات بينها ، وتوظيفها في أدائهم اللغوي ، وذلك من خلال محتوى لغوي متكامل البناء ، ترتبط فيه توجيهات الممارسة والتدريبات اللغوية ، والقواعد اللغوية بمهارات اللغة ، ونوع الأداء المطلوب ؛ من خلال نص لغوي متكامل ، يعالج بطريقة تعتمد إجراءاتها على التكامل والتدريب والممارسة اللغوية ، وتقويم أداء المتعلّم بصورة تكاملية ؛ وذلك بما يحقق التكامل بين جوانب الخبرة اللغوية : معرفياً ووجدانياً ومهاريا ( عوض ، 2000م : 21 ) .
إن التكامل في تعليم اللغة يعني – باختصار شديد – تنظيم المادة التعليمية اللغوية ، وتدريجها ، وتقديمها متكاملة في هيئة مهارات لغوية وظيفية متجاوزاً تقسيمها فروعاً متفرقة ومعلومات مجزأة ، وخبرات لغوية مفتتة . وهو بتعبير آخر النظر إلى اللغة ، عند بناء مناهج تعليمها ، وإعداد كتبها ، وتحديث طرق تدريسها ، على أنها وحدة مترابطة متماسكة ، وليست فروعاً معرفية مختلفة .
ويستند التكامل في بناء المحتوى التعليمي اللغوي على أحدث معطيات علم النفس التربوي ؛ فالتعلّم في نظره قائم في أساسه على نشاط المتعلّم نفسه ودافعيته للتعلّم ، فهو لا يتعلّم إلاّ ما يمثل حاجة لديه ، ويشعر بفائدته وجدواه ، فضلاً عن أن أسلوب التكامل يعترف بالفروق الفردية بين المتعلمين فيقدّم لهم مناشط تعليمية منوّعة ، وأوجه تعلّم مختلفة ، تمكنهم من التعلّم الهادف في حدود إمكاناتهم وخبراتهم واستعداداتهم ، ولذا فإنه يهتم كثيراً بتكاملية أشكال المعرفة والخبرات والمهارات وتحقيق الحاجات التعليمية ، وتكاملية المناشط والوسائل التعليمية ، كما يعمد لتحقيق أهدافه إلى تفعيل طرق تدريس تكاملية تفاعلية قائمة على التفاعل المستمر بين المعلّم والمتعلّم ، واعتبار المتعلّم ركناً رئيسا في العملية التعليمية ، يحتاج إلى تكاملية مستمرة في عمليات تقويم أدائه ، وتقويم ما له علاقة بتعلّمه ( مبارك ، 1988م : 3 ؛ مراد ، 2002م : 16 ) .
فكرة التكامل في تعليم اللغة العربية :
فكرة التكامل في تعليم اللغة العربية فكرة قديمة جداً ضاربة في أعماق ثقافتنا العربية الإسلامية ، فقد أدرك علماء العربية قديماً هذه الفكرة حين اتخذوا من النص الأدبي محوراً تتجمّع حوله معالجات لغوية عديدة ؛ من تفسير مفردات النص وشرح عباراته ، وكشف مشتملاته من الصور البلاغية والمسائل النحوية ، إلى ما هنالك من إشارات تاريخية ومواقع جغرافية ، ومافي النص من مؤشرات عن الحياة الاجتماعية والثقافية لعصر الشاعر أوالأديب ، وما لصاحب النص من مميزات أسلوبية ، ومدى تأثره بغيره وتأثيره في سواه ، والوقوف على الظروف التي قيل فيها النص ومناسبته ، ومواضع تقاطع النص مع نصوص أخرى مشابهة ، والولوج إلى موسيقى النص ، وإجراء العديد من القراءات ( سمك ، 1979م : 73 ) .
وقد سلك هذا المنهج في استنطاق النصوص ، ومعالجتها في صورة متكاملة ، الجاحظ في البيان والتبيين ، والمبرد في الكامل ، وأبو علي القالي في الأمالي وغيرهم ، كما وأن علماء العربية في العصر العباسي - على سبيل المثال - كانوا يدرّسون اللغة العربية أدباً وبلاغة ونحواً وأسلوباً وقراءة وفهماً وتحليلاً ونقداً من خلال النصوص القرآنية والنصوص الأدبية شعراً ونثراً ، ومن خلال الخطب والرسائل ( مراد ، 2002م : 22 ) .
أما في العصر الحاضر فقد برز الاهتمام بفكرة التكامل في تعليم اللغة العربية منهجاً وطريقة بعد أن اقتنع التربويون بعدم جدوى تعليم اللغة وفق المدخل الموضوعي ( التفريعي ) الذي يقوم على أساس تفتيت الخبرة اللغوية المقدّمة للمتعلمين ، واعتبار أن اللغة مواد متميزة بعضها عن بعض : من نحوٍ يصون اللسان من اللحن ، ويحفظ القلم من الزلل ، وصرفٍ يبحث في بنية الكلمة ، وبلاغةٍ تحدد ملامح الجمال في الأسلوب ، وإملاءٍ يرشد إلى كيفية رسم الكلمة رسماً صحيحاً ، وتعبيرٍ ، وقراءةٍ ، ونصوصٍ ومحفوظاتٍ ... وأن كل مادة منها تؤدي غرضاً وتحقق أهدافاً لا يمكن أن تحقق إلاّ بدراسة كل مادة دراسة مستقلة عن غيرها من مواد اللغة العربية الأخرى .
لقد كان سائداً – وما زال – الاعتقاد في مجال تعليم اللغة بأن المتعلّم يتعلّم اللغة بصورة أفضل إن لم يخلط المعلمون في تعليمهم اللغة بين مواد اللغة المختلفة ، ومن ثمّ ترسّخ اعتقاد خاطئ بأن الأداء اللغوي لن يكون سليماً إلاّ بدراسة قواعد النحو والصرف ، والأدب والبلاغة ، والقراءة ، والكتابة ، من خلال كتب تركّز على المعرفة اللغوية وحصص مستقلة لكل مادة ، وفي هذا الاعتقاد تفتيت الخبرة اللغوية التي يفترض أن يكتسبها المتعلّم متكاملة ، وإغفال المهارات اللغوية التي ينبغي أن يتمثّلها في تواصله مع الآخرين في مواقف الحياة الاجتماعية .
إن الأخذ بهذا الاعتقاد مهّد الطريق إلى قطع الصلة بين مهارات اللغة ، مع مابينها من اتصال طبيعي ؛ لدرجة أصبح المعلّم والمتعلّم ينظران إلى كل فرعٍ لغويٍ على أنه قائم بذاته ، وليس بالضرورة أن تُربطَ مهارات كل فرع بالآخر ، فالمعلّم يغذي فكر المتعلّم بأن مراعاة الصحة اللغوية لا تكون إلاّ في درس قواعد اللغة ، وسلامة الهجاء لا مجال لها إلاّ في درس الإملاء ، وتكوين الذائقة الأدبية ليس مكانه خارج أسوار تعليم الأدب ، فضلاً عن النظرة النفقية ( الضيقة ) إلى أن المهارات التي تُدْرسُ في فرع من فروع اللغة لا تخدم سوى الفرع نفسه ، ولا تخدم الفروع الأخرى ، حتى وإن تقمَّصت كتب تعليم اللغة العربية – في الآونة الأخيرة – أدوار البطولة في لم شمل الأسرة اللغوية ، غير أن هذا اللّم غالباً ما يكون حبراً على ورق ، لا يأخذ مكانه إلى أرض ؛ لأن معلّم اللغة لم يهيأ لهذه الأدوار ، فهو لا يزال معتقداً بأهمية الناتج المعرفي ، منصرفاً عن الناتج المهاري ، ولعلّ في ممارسات المعلمين التدريسية ، وتقويم أداء تلاميذهم ما يؤكّد ذلك .
إن المُدخَل التفريعي ، مُدْخل التفتيت اللغوي – إن صحّ هذا التعبير – لعيوب كثيرة فيه ، تحول دون تمكّن المتعلّم من اكتساب الممارسات اللغوية السليمة ( السويسي ، وعبيد ، 1996م : 59 ) جعلت بعض الدول العربية تعدل عنه في بناء مناهج تعليم اللغة ، وتنفيذها في مراحل التعليم العام ، من أبرز تلك العيوب ما يلي :
· إن هذا المُدْخل يحول دون تمكّن المتعلّم من اكتساب الممارسة اللغوية السليمة .
· إن فيه تمزيقاً للغة يفسد جوهرها ، ويخرجها عن طبيعتها ، وهذا التمزيق يعدُّ تفتيتاً للخبرة اللغوية التي يكتسبها المتعلّم .
· إن تفتيت الخبرة اللغوية المكتسبة مُترتبٌ عليه عجز المتعلّم عن توظيف اللغة في المواقف الاجتماعية توظيفاً فاعلاً يحقق الهدف المنشود من تعلّمها .
· إن المتعلّم لا يتحرى الضبط الصحيح ، والنطق السليم إلاّ في درس قواعد اللغة ، ولا يتأنق في اختيار عباراته إلاّ في درس الأدب ، ولا يهتمّ برسم الكلمات رسماً صحيحاً إلاّ في درس الإملاء ، ولا يُلْبِسُ الحروف حُلّةً من الجمال إلاّ في درس الخط ، ولا يتمثّل المعنى إلاّ في درس القراءة ، أو درس النصوص الأدبية .
· إن حماس المعلّم يشتدُّ في درس نتيجة ميله إليه ، في حين يفترُ في درس لا يميل إليه ، مما يؤدي إلى عدم تعادل النمو اللغوي وتكافئه لدى المتعلّم في مواقف تعلّم اللغة .
· إن فرص التدريب على التعبير السليم تقلُّ في هذا المُدْخل ، ويضيق مجاله ، مع أن التعبير ثمرة الدراسات اللغوية جميعها ، وقمة التعلّم اللغوي .
وبالنظر إلى طبيعة اللغة فإنها تتكوّن من نظم لغوية عديدة ؛ صوتية ، وصرفية ، ونحوية ، ودلالية ، حين يطلق على الأفكار المركبة نظاماً يكون بينها علاقات عضوية ، بحيث يؤدي كل نظام منها في البناء اللغوي وظيفة تختلف عما يؤديه الآخر ، فللنظام تكامل عضوي ، واكتمال وظيفي يجعله جامعاً ؛ بحيث يصعب أن يستخرج منه شيئ ، أو أن يضاف إليه شيئ ( حسان ، 1979م : 312 ).
إن أبرز ما تتسم به اللغة كونها وحدة متكاملة ، وهذا التكامل يعود إلى كون اللغة مجموعة من النظم المتكاملة فيما بينها ، وعليه فإن توظيف معطيات المدخل التكاملي يساير طبيعة اللغة المتكاملة ، ويقضي على تفتيت اللغة إلى فروع ، ويجمع الفروع المتداخلة في معالجة واحدة ، وبالتالي فهو يوفر الوقت والجهد ، ويفتح المجال للمعلّم لتوحيد المفاهيم اللغوية ، ويعطي المتعلّم فرصة لتعلّم اللغة بصورة متكاملة على نحو ما يمارسها في أدائه ( عوض ، 2000م : 22 ) .
إن تعليم اللغة العربية وتعلّمها لا ينبغي أن يكون مخالفاً لطبيعة اللغة نفسها ، بل ينبغي أن يكون متكيفاً معها ، موصولاً بفكر علماء الأمة الأوائل الذين اشتغلوا بالدرس اللغوي ، وما كانوا في يوم من أيامهم يخرجون اللغة عن طبيعتها ، ولا يعلمونها بعيداً عن سياقها الاجتماعي الوظيفي .
ويؤكّد عبد الحليم ( 2003م : 300 ) على أن تعليم اللغة وتعلّمها يجب أن ينسجم مع طبيعتها ، وحيث إن اللغة ظاهرة اجتماعية فإن تعلّمها يجب أن يرتبط بمواقف اجتماعية واقعية أو افتراضية ، لا أن يتمّ بمعزل عن تلك المواقف ، وحيث ذلك فإن تعليم اللغة لا يكفي فيه مجرد المعرفة بالأشكال اللغوية وقواعدها ، وإنما ينبغي أن تُستثار فيه العمليات العقلية العليا ؛ لأن الأداء اللغوي بناءٌ ، ونسجٌ ، وصياغةُ معانٍ وأفكارٍ تختلجُ في نفس منتج اللغة ومتلقيها ، وبالتالي فإن تعليم اللغة يكون فاعلاً عندما يكون وسيلة لتنمية الإدراك والفكر والتأمل والتبصّر والمقارنة والتّذوق ، وتحقيقاً لوظائف الفرد والمجتمع .
الأسس النظرية للمدخل التكاملي في تعليم اللغة :
يستمد المدخل التكاملي في تعليم اللغة أسسه من كون الإنسان يُنتجُ لغةً متكاملة ، وهو يمثلُ اتجاهاً حديثاً في تعليم اللغة العربية وتعلّمها ، لأنه يساير طبيعة اللغة ، ويقضي على تفتيت اللغة وتجزئتها إلى فروع ، ويستند إلى أسس لغوية ، ونفسية لغوية ، ولغوية اجتماعية تؤكّد على أن اللغة مهارات أربع : الاستماع ، والتحدُّث ، والقراءة ، والكتابة ، وأن هذه المهارات هي محور ومرتكز تعليم اللغة ، دون فصلها عن بعضها بعضا ، بل تتم معالجة الدرس اللغوي على أساس أنها وحدة واحدة ، تسعى لتحقيق غاية واحدة ، هي التواصل اللغوي السليم في المحيط الاجتماعي .
إن المُدْخل التكاملي في تعليم اللغة يحمل بين طيّاته اتجاهاً عقلانياً لتعليم اللغة ، فهو يستند إلى أسس من أبرزها ما أشار إليه : ( يونس ، والناقة ، 1977م : 35 ؛ السويسي ، وعبيد ، 1996م : 60 ؛ مراد ، 2000م : 23 – 24 ؛ المومني ، 2001م : 274 – 277 ) .
· إنّ فروع اللغة ما هي إلاّ اللغة نفسها ، وحين يعلّم الفرع اللغوي متصلاً باللغة ككل تتضح وظائفه بشكل متكامل ، فالقاعدة النحوية ، أو الصرفية ، حين تُدرّس في موقف مستقل ، لا تحقق وظيفتها في النمو اللغوي ، في حين أنها لو دُرّست في موقف لغوي متكامل يستدعي دراستها ؛ لأدت إلى سرعة التعلّم ، ولأدرك المتعلّم نفسه وظيفتها في السياق اللغوي .
· إنّ في الارتكاز عند تعليم اللغة على المدخل التكاملي تجديداً لنشاط المتعلّم ، وبعثاً لشوقه ، ودفعاً للسآمة والملل عنه ؛ لتنويع العمل ، وتلوينه ، وعدم اقتصاره على فرع واحد من فروع اللغة ، وشعور المتعلّم بأهمية الخبرة اللغوية المتكاملة التي يكتسبها في سياق طبيعي .
· إنّ في تعليم اللغة وفق المدخل التكاملي ضماناً لمعالجات لغوية متكررة ؛ بتكرار الرجوع إلى المهارة اللغوية ، ودراستها من مختلف جوانبها ، وفي التكرار تثبيت للمهارة نفسها ، وتعميق للمعالجة اللغوية .
· إنّ في تعليم اللغة وفق هذا المدخل ضماناً للربط الوثيق بين ألوان الدراسات اللغوية ، مما ينعكس أثره على أداء المتعلّم ، وثقافته ، وتشكيل وعيه ، فضلاً عن أن المتعلّم يتعايش مع النص وقتاً أطول مما يمكّن من الاتصال بمعانيه ، والاندماج به ، ومن ثمّ ذوبانه فيه ، واستدخاله القيم والسلوكيات والاتجاهات الفكرية التي تشع فيه .
· إنّ في تعليم اللغة وفق هذا المدخل ضماناً للنمو اللغوي عند المتعلّم نموّاً متعادلاً ، لا تطغى فيه مهارة على أخرى ؛ لأن مهارات اللغة جميعها تعالج في ظروف واحدة ، لا يتفاوت فيها حماس المعلّم في الموقف التعليمي .
· إنّ في تعليم اللغة وفق المدخل التكاملي مسايرة للاستعمال اللغوي ؛ لأن المتعلّم حينما يستخدم اللغة في التعبير الشفهي أو الكتابي إنما يستخدمها وحدة مترابطة ، بمعنى أنه لا يستشير المعجم ليمدّه بالمفردات الملائمة لمقتضى الحال ، ولا يحتكم إلى قاعدة نحوية ليفهم كيف يؤلف جملة ، ويضبط كلمة ، وإنما يتم ذلك كله بصورة سريعة متكاملة مترابطة .
· إن تعليم اللغة يكون أسهل على المتعلّم وأيسر عندما تكون اللغة وظيفية تكاملية ، وعندما لا تكون مجزأة ، فأصغر وحدة وظيفية ذات معنى هي نصٌّ متكامل ضمن سياق لغوي اجتماعي يتلاءم مع خبرات المتعلّم .
· إذا كان تعلّم اللغة يتم بطريقة أفضل عندما يتعرّض لها المتعلّم بشكلها الكلي ، وفي سياق طبيعي ؛ فإن التكامل ( Integration ) هو أساس ومفتاح تعلّم اللغة .
· إنّ تعليم اللغة العربية في عصر العولمة والتفجّر المعرفي يستوجب تعليمها لتحقيق وظائفها الفكرية والاجتماعية ، على اعتبار العلاقة الوثيقة بين اللغة والتفكير ، وبين اللغة والمجتمع ، ومن هنا يكون تعليم اللغة تعليم للتفكير ، ومجال خصب لتدريب التلاميذ على مهارات الاستنتاج والتحليل والمقارنة والتمييز ، وإصدار الأحكام .
· إنّ تعليم اللغة يكون أكثر فاعلية إذا قام على أساس تناول مهارات اللغة على أنها وحدة متكاملة ، تؤدي دوراً وظيفياً في الحياة الفكرية والاجتماعية بدلاً من التركيز على الجانب النظري والمعرفي في معالجة اللغة .
ولكي تتحق الغايات النبيلة من تعليم اللغة العربية في مراحل التعليم العام ؛ فإن الآمال معقودة على المخططين اللغويين ، والقائمين على شؤون تعليمها في البلاد العربية والإسلامية ، تأصيل تعليمها ، وتوظيف معطيات علم اللغة ، وعلم النفس اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي عند بناء مناهج تعليم اللغة وتنفيذها وتقويمها وتطويرها .
إن تعليم اللغة العربية بحاجة ملحة إلى نظرية تعليمية لغوية ، مستمدة من فهم عميق لطبيعة اللغة نفسها ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ووظيفتها في المجتمع ، ودورها في التنمية الشاملة للمتعلمين : معرفياً ، ووجدانياً ، ومهارياً ، ونفسياً ، وفكرياً ، واجتماعياً ؛ بحيث تظهر نتائج تعليمها واضحة على الأداء اللغوي للمتعلمين ، الذي يبدو أنه يعاني من تصدعات مخيفة في البناء اللغوي ؛ تبرز جليّاً في تفكك التراكيب ، واضطرابها ، وانحرافها صرفياً ونحويا .
التطبيقات التربوية للمدخل التكاملي في تعليم اللغة العربية* :
يقتضي الأخذ بأفكار المُدْخل التكاملي منطلقاً في تعليم اللغة العربية مراعاة ما يلي :
· التحوّل من فكرة تعليم اللغة العربية على أنها فروع لغوية مستقلة لا طائل من ورائها سوى تفتيت الخبرة اللغوية ، إلى فكرة تكامل تعليم اللغة وتعليمها متكاملة وفقاً لطبيعتها المتكاملة ، ووفقاً لطبيعة تعلّمها وتعليمها .
· اتخاذ النص القرآني محوراً رئيساً في تعليم اللغة ؛ لأثره في زيادة الثروة اللغوية ، دون إغفال لنصوص من الحديث النبوي الشريف ، ومن تراث العرب قديمه وحديثه ، منظومه ومنثوره .
· اتخاذ النص اللغوي منطلقاً لتعليم اللغة في ضوء مهاراتها ، مما يحفظ للغة وحدتها وتكاملها ، والسير في ذلك على هدي المسلمين الأوائل في اختيار النص اللغوي الذي يكسب المتعلمين ثروة لغوية ، مع تنمية ذوق وتهذيب سلوك .
· تدريب التلاميذ من خلال دراسة النص على مهارات لغوية متكاملة ، تشمل الجوانب المعجمية ، والنحوية ، والبلاغية ، والنقدية ، والتعبيرية ، علاوة على المهارات القرائية ، ومهارات الكتابة ، ومهارات الاستماع والتحدّث ، وتنميتها لديهم .
· تكثيف الجهود داخل حجرة الصف الدراسي حول تحفز المتعلّم ليعبّر عن أفكاره باللغة ، فيناقش موضوعات قرائية تعايش معها عدة مرات ، أويحلل نصوصاً أدبية تحمل فكر الأمة وثقافتها وخبراتها ، أو يلخّص كتاباً ، أو يكتب تقريراً عن عمل قام به ، أو يعرض خبرة اكتسبها من النص .
· إعداد معلّم اللغة العربية إعداداً متكاملاً ، قبل الخدمة وأثناءها ؛ ليكون ذا قدرة أكاديمية تمكّنه من معالجة اللغة وحدة واحدة ، ومؤهلاً تربوياً على مستوى النظرية والتطبيق الميداني ، ومقتنعاً بجدوى التكامل اللغوي في تعليم اللغة تخطيطاً وتنفيذاً وتقويما .
· تدريب المشرف التربوي على تعليم اللغة العربية بشكل دوري ؛ ليكون على اطلاع بآخر المستجدات التربوية في تعليم اللغات وأحدث الاتجاهات في تعلّم اللغة وتعليمها ، ويتمكّن من نقل خبرته الجديدة إلى الميدان ؛ لإثراء المعلمين ، والرفع من أدائهم التدريسي .
· إلغاء فكرة الكتب التعليمية اللغوية المتعددة ، والاقتصار على كتاب واحد لكل صف دراسي ، تتنوّع فيه النصوص المقدّمة إلى المتعلمين ؛ بحيث تشمل نصوص انطلاق ، ونصوص دعمٍ وتعزيزٍ ، ونصوصاً إثرائيةً ، تُعالج من منظورات عديدة : استماعاً ، وقراءة ، وفهماً واستيعاباً ، واستنتاجاً وتحليلاً ، وتذوقاً ونقداً ، وتطبيقاً نحويّاً وإملائياً ، وتدريباً على التعبير الشفهي والكتابي ، فضلاً عما يدفع المتعلّم إلى اكتساب مهارات التعلّم الذاتي ، بتوجيهه إلى المعجمات والموسوعات ومصادر المعرفة الورقية والإلكترونية ، والاعتماد على نفسه في إثراء معارفه ، وتنمية مهاراته البحثية ، وتعليمه كيف يعلّم نفسه بنفسه .
· إلغاء فكرة الحصص المستقلة المخصصة لتعليم كل فرع من فروع اللغة ، وتوظيف الحصص المستمرة المتصلة المخصصة لتعليم اللغة ؛ لضمان معالجة النصوص معالجة متكاملة ، لا تنتهي بانتهاء الزمن المخصص للدرس ، بل تستمر المعالجة حتى يتمكّن المتعلّم من المهارات المستهدفة ، وفي هذا إدخال المتعلّم معترك العمل التعليمي في الوقت المخصص لتعليم اللغة مشاركاً في التخطيط ، والتنفيذ ، والتقويم ، وإثراء بيئة التعلّم بما من شأنه أن يرقى بالأداء اللغوي لديه ، ويفعّل دور اللغة في حياته .
· اعتماد طرق التدريس النشطة في مختلف المناشط اللغوية ؛ لتوجيه المتعلّم نحو أن يتعلّم كيف يتعلّم ، واعتباره محور العملية التعليمية ، وتبني طرق تدريس قائمة على حل المشكلات ، والتعلّم التعاوني ، والتعلّم البنائي ، والتعلّم النشط ، وتعليم التفكير وإكساب المتعلمين مهاراته ، والعصف الذهني ... كل ذلك لتحفيزه على تعلّم اللغة وتنميته فكرياً ووجدانيا ومهاريا .
· إدخال مبدأ التعلّم الذاتي في ميدان تعليم اللغة العربية ؛ لكونه أصبح من المسلمات في إطار التربية الحديثة عامة ، وتعليم اللغات خاصة ، وذلك استجابة طبيعية لطبيعة العصر الذي نعيشة ، عصر التفجّر المعرفي والانتشار الثقافي ، وما يقتضيانه من ضرورة ملاحقتهما ومواكبتهما من جهة ، ونظراً إلى أهمية الجهد الذاتي وما يقتضيه من تنقيب عن المعرفة ، وتدريب على استخدام مختلف مصادر التعلّم ؛ لكسب المعلومات والمهارات الضرورية لاستمرار التعلّم .
· توفير مصادر المعرفة التقنية ، وتدريب المتعلمين عليها ؛ لما لها من إثارة لاهتمامهم ، وجذباً لهم للإقبال على الدرس اللغوي ، وتدريب المعلمين على كيفية توظيفها في تعليم اللغة العربية .
· الانطلاق من الواقع اللغوي للمتعلمين ؛ بتحديد المهارات اللازمة لهم في كل مرحلة تعليمية ، بل وفي كل صف دراسي ، وجعلها محوراً للتدريب في مواقف تعليم اللغة العربية وفق المدخل التكاملي .
· توجيه تعليم اللغة العربية في المراحل الثلاث نحو سدّ حاجات المتعلمين اللغوية ؛ بتقديم المحتوى اللغوي الذي يلبي تلك الحاجات ، ويأخذ في الاعتبار بالمتغيرات الثقافية ، والحضارية ، وما يتطلّع إليه المجتمع من مشاركة أبنائه – حاضراً ومستقبلاً – في حل مشكلاته ، والارتقاء به إلى مصاف المجتمعات المتقدّمة .
· من المؤكّد أن المهارة اللغوية تتحقق بالاستخدام اللغوي الصحيح ، والأداء اللغوي الجيّد إرسالاً واستقبالاً ، ممارسة وتطبيقاً ، وأن هذا الأداء يمكن ملاحظته وقياسه من خلال ممارسة المتعلّم اللغة : استماعاً ، وتحدّثاً ، وقراءةً ، وكتابةً . ولذا فإن التركيز في تعليم اللغة العربية وفق المُدْخل التكاملي على الجانب المهاري ، ودعمه ، وتوجيه فعاليات التعليم نحوه ؛ يقود إلى مخرجات تعليمية قادرة على توظيف مهارات اللغة بشكل صحيح ، يحقق وظائفها في المجتمع .
· إنّ منهج تعليم اللغة يكون أكثر فاعلية إذا تناول مهارات اللغة على أنها وسائل لتحقيق غايات أرحب وأهم ، وعلى رأس قائمتها يأتي الاتصال ، ومن ثمّ فإن التركيز على هذه المهارات ، والنظر إليها نظرة متوازنة في برنامج تعليم اللغة يساعد على تنمية لغة المتعلّمين نموّاً متوازنا .
· يمكن لتعليم اللغة العربية أن يحقق أهدافه بشكل جيّد إذا اتجه التخطيط اللغوي نحو الأخذ بالاتجاه التكاملي في تعليم اللغة ، والتوجّه نحو تمهير تعليمها ، والنظر إلى اللغة على أنها مهارات أكثر منها محتوى ، فالتشابه بين التكامل والتمهير كبير جداً ، لا يمكن تجاهله ؛ حيث إن إحدى صور التكامل تتحقق في التكامل بين مهارات اللغة ، على مستوى النظرية والتطبيق ، الأمر الذي يعني أنه لايمكن أن يستقيم حال تعليم اللغة العربية بعيداً عن إدارته في ضوئهما .
· البرنامج التعليمي الذي يأخذ بالاتجاه التكاملي المهاري في تعليم اللغة يعمد إلى وضع المهارات اللغوية النوعية ، لكل مهارة لغوية من مهاراتها الأربع الرئيسة ، في مسلسلات هرمية متدرّجة ؛ لينطلق منها نحو تحديد أهداف تعليم اللغة في كل مرحلة تعليمية ، بل وفي كل صف دراسي ، وتضمينها المحتوى التعليمي اللغوي المقدّم للتلاميذ ، وتصميم التدريبات والمناشط اللغوية في ضوئها ؛ لأن تحديد المهارات اللغوية النوعية يساعد على وضوح الرؤية عند تأليف كتب تعليم اللغة ، كما يبصِّر المعلمين بالمهارات المستهدفة بالتدريب في كل مرحلة تعليمية ، وفي كل صف من صفوفها .
· تحديد المهارات المستهدفة تحديداً دقيقاً واضحاً ؛ للكشف عن الأهداف التعليمية التي تحققت ، وتلك التي لم تتحقق ، مما يساعد على توجيه تعليم اللغة نحو سدِّ الثغرات التي يكشف عنها تقويم البرنامج ، ليعاد النظر فيه بتطويره ، وتلافي جوانب القصور فيه ، ودعم جوانب القوة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
مراجع ورقة العمل
(1) بادي ، غسان خالد ( 1406هـ ) . " تحديد معنى طريقة التدريس في إطار علمي متجدد " بحوث تربوية ونفسية ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، معهد اللغة العربية ، وحدة البحوث والمناهج ، ص ص 83 – 97 .
(2) حسان ، تمّام ( 1979م ) . اللغة العربية معناها ومبناها ، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب .
(3) سلام ، على عبد العظيم ( 1993م ) . أثر تكامل منهج اللغة العربية على الأداء اللغوي لتلاميذ الصف الأول الإعدادي ، رسالة دكتوراه ( غير منشورة ) ، الإسكندرية : جامعة الإسكندرية ، كلية التربية .
(4) سمك ، محمد صالح ( 1979م ) . فن التدريس للتربية اللغوية ، وانطباعاتها المسلكية وأنماطها ، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية .
(5) السويسي ، رضا ، وعبيد ، عبد اللطيف ( 1996م ) . طرائق وأساليب تدريس اللغة العربية في المرحلة الثانوية بالوطن العربي وسبل الارتقاء بها ، تونس : المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، إدارة التربية .
(6) عبد الحليم ، أحمد المهدي ( 2003م ) . أشتات مجتمعات في التربية والتنمية ، القاهرة : دار الفكر العربي .
(7) عثمان ، سيد أحمد ( 1986م ) . " التخطيط اللغوي وتعليم اللغة العربية " دراسات تربوية ، المجلد الأول ، الجزء الرابع ، القاهرة : عالم الكتب ، ص ص 19 – 24 .
(8) عوض ، أحمد عبده ( 2000م ) . مداخل تعليم اللغة العربية – دراسة مسحية نقدية ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، مركز البحوث التربوية والنفسية .
(9) لويس ، م .م ( 1959م ) . اللغة في المجتمع ، ترجمة : تمّام حسان ، القاهرة : دار إحياء الكتب العربية .
(10) مبارك ، فتحي يوسف ( 1988م ) . الأسلوب التكاملي في بناء المنهج – النظرية والتطبيق ، القاهرة : دار المعارف .
(11) مراد ، سعيد محمد ( 2002م ) . التكاملية في تعليم اللغة العربية ، الأردن – إربد : دار الأمل للنشر والتوزيع .
(12) المومني ، إبراهيم عبد الله ( 2001م ) . " منحى اللغة الكلي : الفلسفة والمبادئ والتضمينات التربوية " مجلة دراسات – العلوم التربوية ، المجلد 28 ، العدد الثاني ، ص ص 272- 285 .
(13) الناقة ، محمود كامل ( 1985م ) . تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، معهد اللغة العربية ، وحدة البحوث والمناهج .
(14) يونس ، فتحي علي ، والناقة ، محمود كامل ( 1977م ) . أساسيات تعليم اللغة العربية ، القاهرة : دار الثقافة .
كلية التربية – جامعة أم القرى
1428هـ / 2007م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وعلى آله وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد : مقدمة :
إن أيَّ مجتمع ينشد التقدّم والرقي ، ويبحث لنفسه عن مكان مميّز في هرم الحضارة ؛ لابد وأن يحسنَ العناية بلغته ، ويعملَ جاهداً ، بما أوتي من بصيرة ، على تذليل الصعوبات والعقبات التي تعترض مسيرة تعليمها ، ويبحثَ عن كل ما من شأنه تطوير تعليمها وتعلّمها بحيث يساير الاتجاهات التربوية الحديثة في تعليم اللغات وتعلّمها ؛ ليكون تعليمُها تنميةً لفكر الإنسان ، وصوغاً لوجوده الداخلي .
ومن المؤكّد أن أول متطلبات الارتقاء والنهوض بتعليم اللغة العربية أن يكون هناك تخطيطٌ لغويٌّ محكمٌ ، لا يقلُّ الاهتمام به عن أي تخطيط اقتصادي ، أواجتماعي ، أوعسكري ؛ لأن اللغة هي صائغةُ الوجود الداخلي للإنسان والأمة بأسرها ، بل إن أيَّ تخطيط لجانب من جوانب الحياة في الأمة ، لا يستقيم أمره ، بعيداً عن التخطيط المحكم لسلامة وصحة الوجود الداخلي للإنسان نفسه ، ولفكر الأمة ، وعلى رأس قائمة هذا التخطيط يتربّع التخطيط اللغوي ( عثمان ، 1986م : 20 -21 ) .
تؤكد الأدبيات المتاحة في مجال تعليم اللغة على أن من مهام التخطيط اللغوي تصميم المداخل التعليمية المتسقة مع طبيعة اللغة ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ومع نتائج البحوث في علم اللغة الحديث ، وما يناسبها من طرق التدريس التي تتيح للمتعلّم ممارسة اللغة ، واستخدامها ؛ وصولاً إلى الاستدخال اللغوي ، الذي يؤدي بالمتعلّم إلى تعلّم اللغة ، وبالتالي تماسك لبنات بنائه اللغوي .
إن تصميم المداخل التعليمية يساعد واضعي مناهج تعليم اللغة ومنفذيها على توجيه تعليمها وتعلّمها نحو تحقيق غاياتتها ؛ حيث إن تصميم المداخل يشير إلى النظرية اللغوية التربوية التي يتبناها واضعو المنهج التعليمي اللغوي ، مما يؤمّن المناخ التعليمي الملائم لسير العملية التعليمية ، ويعمل على تحقيق أفضل النتائج .
وجدير بالذكر أن المدخل التعليمي تتبلور فيه فلسفة تعليم اللغة وتعلّمها ، وتؤطَّر فيه كافة المناشط الفاعلة للارتقاء بالأداء اللغوي للمتعلمين ، في صورة برامج تعليمية تتحقق فيها فلسفة المعرفة ، وأسس التربية ونظريات علم اللغة ، ونظريات علم النفس اللغوي ، ونظريات علم اللغة الاجتماعي ؛ لتحقيق أهداف تعليم اللغة ، وإحداث تعلّم لغوي أفعل ،كما تتحقق في المدخل أسس بناء مناهج تعليم اللغة ، وتنظيم محتواها ، وتحديد طرق التدريس المستخدمة ، والوسائل وأساليب التقويم وأدواته .
وقد تجاذبت تعليم اللغة تنظيراً وتطبيقاً مداخل عديدة ، كان من أبرزها : المدخل الموضوعي " التفريعي " ، والمدخل التكاملي ، والمدخل المهاري ، والمدخل الاتصالي ، والمدخل الوظيفي . وهذه المداخل ليست الوحيدة التي توجه ، وتضبط تعليم اللغة ، وإنما هناك مداخل أخرى كثيرة ، بعضها يتصل بالنشاط اللغوي ، وتحديد الأهداف ، وتنمية الإبداع ، وتفريد التعليم ، والتعلّم الذاتي ، فضلاً عن المدخل التقني الذي أخذ يفرض نفسه بقوة على تعليم اللغة ؛ استجابة طبيعية للتفجر العلمي والتطور التقني في العصر الحاضر .
وبمراجعة أدبيات تعليم اللغة العربية يتبيّن أن حظ تعليمها من هذه المداخل قليلٌ جداً مقارنة بتعليم اللغات الأجنبية ؛ فتعليم اللغة العربية ما زال يستند إلى مداخل تقليدية عفى عليها الزمن ، لم يعد لها ذكر سوى في أدبيات تعليم اللغة العربية ، حيث مازالت مناهج تعليمها في مراحل التعليم – في غير بلد عربي - تصمم وفق المدخل الموضوعي " التفريعي " مدخل تفتيت الخبرة اللغوية ، التي يفترض أن تقدّم للمتعلّم متكاملة تكامل اللغة نفسها .
إن اللغة العربية لغة القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، ولغة الخطاب ، ولغة التعليم في غير بلد عربي إسلامي ، بها يتعلّم التلاميذ ، وبها يعبرون عن أفكارهم ، وأحاسيسهم ، ورغباتهم ، وحاجاتهم ، فضلاً عن اكتسابهم – عن طريق تعلّم اللغة – طرق التفكير في المجتمع . وفي هذا السياق يؤكّد لويس ( 1959م : 49 ) على أن الفرد يكتسب من اللغة طرق التفكير في المجتمع الذي يعيش فيه ، وأن في اكتساب الطفل اللغة في المدرسة اكتساباً لطرق التفكير في المجتمع .
ومن المؤكّد أن الاهتمام باللغة العربية تعلماً وتعليماً اهتمام بالقرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، ومحافظة على الهوية العربية الإسلامية من الذوبان ، وأن أيَّ تخطيطٍ في المجتمع ينبغي أن يكون على رأسه تخطيط لغوي يعبر عن فكر الأمة ؛ ذلكم أن حياة الأمة مرهونة بحياة لغتها ، وارتفاع بنيان حضارة الأمة معتمد على ارتفاع لغتها ، وأن اللغة عندما تقوى تشتدّ أركان الحضارة ( عثمان ، 1986م : 19 ) .
وحيث ذلك ، فإن تبني أفكار مُدْخل تعليمي يساير طبيعة اللغة العربية في بناء مناهج تعليمها ، وتطوير طرق تدريسها ، وتعليمها للتلاميذ في مراحل التعليم العام يعتبر مطلباً تربوياً وتعليمياً ملحاً ، للتخفيف من الأزمة التربوية الحادة المتمثلة في تدني كفاءة وفاعلية مخرجات التعليم بكافة مراحله ومستوياته ، ومنها المخرج اللغوي .
مفهوم المدخل :
تعرّفُ بعض أدبيات تعليم اللغة العربية المُدْخل Approach لغوياً على أنه مكان الدخول وزمانه ، فهو اسم زمان واسم مكان معاً ، أي يناط به تحديد نفطة البداية المكانية ، وزمان البداية في أي نشاط ، وفي مجال التربية يعني المُدْخل الترجمة التربوية لنظرية المعرفة في صورة برامج تعليمية تتحقق فيها فلسفة المعرفة نفسها ، وأسس التربية ونظريات علم النفس ؛ من أجل تحقيق الأهداف المبتغاة سواء أكانت أهدافا للمجتمع أم للفرد ، وتتحقق في المدخل أسس المناهج ، وتستوفى عناصرها المعروفة : أهدافاً ومحتوىً وطرائق تدريس ومناشط تعليمية وأساليب تقويم ( الناقة ، 1985م : 51 ) .
ويرى بعض المختصين بتعليم اللغة أن المُدْخل هو عبارة عن مجموعة افتراضات ( لغوية ونفس لغوية ولغوية اجتماعية ) تربطها مع بعضها علاقات متبادلة ، تتصل اتصالاً وثيقاً بطبيعة اللغة ، وطبيعة عمليتي تعليمها وتعلّمها ، إنه عملية اختيار منظمة تتمخّض عنها المبادئ الرئيسة لخطة تعليم اللغة ، وتستند إلى نتائج العلوم المتداخلة : علم اللغة ، وعلم النفس اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي ( بادي ، 1406هـ : 86 ) .
إن عملية وضع مُدْخل لتعليم اللغة عملية تُنسجُ خيوطها الفكرية على مستوى التخطيط اللغوي قبل تصميم مناهج تعليم اللغة وبنائها ، عملية ترتبط بكيفية اختيار المادة اللغوية التعليمية ، وكيفية تدريج المادة اللغوية التعليمية التي تمّ اختيارها ، وكيفية تقديم المادة التعليمية اللغوية التي أُختيرت ودُرِّجت ، ثم بعد هذا وذاك كيفية تقويم ما اختير وما دُرِّج وما قدِّم .
ومن المؤكّد أن تبني مُدْخلاً بعينه لتعليم اللغة وتعلّمها عملية فكرية قائمة على التخطيط المحكم والأفعال العقلانية بعيدة كل البعد عن العشوائية والارتجال ، تنعكس نتائجها على تخطيط مناهج تعليم اللغة وبنائها ، وتنفيذها ، وتقويمها وتطويرها . فالمدخل التعليمي اللغوي الذي يتبنى فكرة الكم اللغوي واعتبار اللغة كماً من المواد الدراسية ( فروعاً ) ؛ سيرتكز في اختيار المادة التعليمية اللغوية وتنظيمها وعرضها على تفتيت اللغة في مواد مستقلة مجزأة ، لكل مادة منهجها ، وكتبها ، وحصصها ، ومناشطها اللغوية المستقلة ، وكذلك تقويمها بمعزل عن تقويم غيرها من المواد اللغوية الأخرى ، بل وربما كان لكل مادة منها معلّمٌ مختصٌ بتعليمها !! أما المدخل التعليمي اللغوي الذي يتبنى فكرة التكامل أسلوباً في اختيار المادة التعليمية اللغوية وتنظيمها وتقديمها وتقويمها ؛ فإنه سوف ينطلق من فكرة ترابط مهارات اللغة وتكاملها ووظيفيتها متجاوزاً التفريع إلى التكامل والوحدة .
إن الأفكار التي ينطوي عليها المدخل التعليمي اللغوي تأخذ طريقها إلى معلمي اللغة لتنفيذها من خلال وثيقة المنهج ، فيتأثرون بها ؛ فالمعلّم الذي يعتقد بأن تعليم اللغة تعليم موادٍ لغوية منفصلة سوف يعنى بالمعرفة اللغوية على حساب مهارات اللغة ووظيفتها وتعليم ثقافة اللغة ، وبالتالي سيوجِّهُ أساليب التدريس وإجراءاته ومناشطه لتحقيق ذلك ، وتوجيه جهود المتعلمين نحو المعرفة والحفظ وتخزين المعلومات ، في حين أن المعلّم الذي يدرك تمام الإدراك بأن اللغة وحدة واحدة وكل متكامل ، فإنه سوف يُعنى بإعداد دروس لغوية يساعد من خلالها المتعلمين على تعلّم اللغة وتعلّم ثقافتها واكتساب مهاراتها ، وسوف يوجه مناشط التعليم لخدمة هذه الفكرة ( سلام ، 1993م : 99 ) .
وجدير بالذكر أن وضع مدخل لتعليم اللغة عملية منظمة تتمخّض عنها المبادئ والأسس الرئيسة لخطة تعليم اللغة ، ففي المُدْخل تحدد المواقف اللغوية الاجتماعية وما يدخل فيها من أمور يجب مراعاتها في تعليم اللغة ، مثل الثقافة والتقاليد الاجتماعية التي تنعكس في اللغة . كما أن خصائص اللغة تفرض نفسها على تعليم اللغة من خلال المبادئ التي يتضمنها المُدْخل عادة ، فاللغة العربية – على سبيل المثال – لغة اشتقاق ، ولهذا ينص المُدْخل على تعليم الاشتقاق ؛ لما له من أثر في التنمية اللغوية لدى المتعلمين . أما نظريات علم النفس اللغوي فتتمخض عنها استراتيجيات التعلّم ونماذج الأداء ، حيث إنها تلقي الضوء على كيفية اكتساب اللغة ، وأساليب التعلّم اللغوي ، وأبرز الطرق التي من خلالها يمكن للمتعلّم أن يتعلّم ، كالنشاط ، والمحادثة ، والحوار ، والتدريب ( بادي ، 1406هـ : 87 ) .
مفهوم التكامل :
التكامل هو تحقيق الكلية والكمال والوحدة ، عملية تحدث في المتعلّم ، تعني أن ما يتعلّمه يصبح جزءاً من شخصيته ، يمتزج بما لديه من فهم وقدرات واتجاهات ، ليكون ما تعلّمه مفيداً وذا معنى عنده ، يُترجمُ في سلوكه مباشرة ، ويتفاعل مع خبرات أخرى سابقة لديه ( مراد ، 2002م : 15 ) .
وفي مجال تعليم اللغة فإن التكامل أسلوب لتنظيم عناصر الخبرة اللغوية المقدّمة للمتعلّمين ، وتعليمها بما يحقق ترابطها وتوحدها بصورة تمكنهم من إدراك العلاقات بينها ، وتوظيفها في أدائهم اللغوي ، وذلك من خلال محتوى لغوي متكامل البناء ، ترتبط فيه توجيهات الممارسة والتدريبات اللغوية ، والقواعد اللغوية بمهارات اللغة ، ونوع الأداء المطلوب ؛ من خلال نص لغوي متكامل ، يعالج بطريقة تعتمد إجراءاتها على التكامل والتدريب والممارسة اللغوية ، وتقويم أداء المتعلّم بصورة تكاملية ؛ وذلك بما يحقق التكامل بين جوانب الخبرة اللغوية : معرفياً ووجدانياً ومهاريا ( عوض ، 2000م : 21 ) .
إن التكامل في تعليم اللغة يعني – باختصار شديد – تنظيم المادة التعليمية اللغوية ، وتدريجها ، وتقديمها متكاملة في هيئة مهارات لغوية وظيفية متجاوزاً تقسيمها فروعاً متفرقة ومعلومات مجزأة ، وخبرات لغوية مفتتة . وهو بتعبير آخر النظر إلى اللغة ، عند بناء مناهج تعليمها ، وإعداد كتبها ، وتحديث طرق تدريسها ، على أنها وحدة مترابطة متماسكة ، وليست فروعاً معرفية مختلفة .
ويستند التكامل في بناء المحتوى التعليمي اللغوي على أحدث معطيات علم النفس التربوي ؛ فالتعلّم في نظره قائم في أساسه على نشاط المتعلّم نفسه ودافعيته للتعلّم ، فهو لا يتعلّم إلاّ ما يمثل حاجة لديه ، ويشعر بفائدته وجدواه ، فضلاً عن أن أسلوب التكامل يعترف بالفروق الفردية بين المتعلمين فيقدّم لهم مناشط تعليمية منوّعة ، وأوجه تعلّم مختلفة ، تمكنهم من التعلّم الهادف في حدود إمكاناتهم وخبراتهم واستعداداتهم ، ولذا فإنه يهتم كثيراً بتكاملية أشكال المعرفة والخبرات والمهارات وتحقيق الحاجات التعليمية ، وتكاملية المناشط والوسائل التعليمية ، كما يعمد لتحقيق أهدافه إلى تفعيل طرق تدريس تكاملية تفاعلية قائمة على التفاعل المستمر بين المعلّم والمتعلّم ، واعتبار المتعلّم ركناً رئيسا في العملية التعليمية ، يحتاج إلى تكاملية مستمرة في عمليات تقويم أدائه ، وتقويم ما له علاقة بتعلّمه ( مبارك ، 1988م : 3 ؛ مراد ، 2002م : 16 ) .
فكرة التكامل في تعليم اللغة العربية :
فكرة التكامل في تعليم اللغة العربية فكرة قديمة جداً ضاربة في أعماق ثقافتنا العربية الإسلامية ، فقد أدرك علماء العربية قديماً هذه الفكرة حين اتخذوا من النص الأدبي محوراً تتجمّع حوله معالجات لغوية عديدة ؛ من تفسير مفردات النص وشرح عباراته ، وكشف مشتملاته من الصور البلاغية والمسائل النحوية ، إلى ما هنالك من إشارات تاريخية ومواقع جغرافية ، ومافي النص من مؤشرات عن الحياة الاجتماعية والثقافية لعصر الشاعر أوالأديب ، وما لصاحب النص من مميزات أسلوبية ، ومدى تأثره بغيره وتأثيره في سواه ، والوقوف على الظروف التي قيل فيها النص ومناسبته ، ومواضع تقاطع النص مع نصوص أخرى مشابهة ، والولوج إلى موسيقى النص ، وإجراء العديد من القراءات ( سمك ، 1979م : 73 ) .
وقد سلك هذا المنهج في استنطاق النصوص ، ومعالجتها في صورة متكاملة ، الجاحظ في البيان والتبيين ، والمبرد في الكامل ، وأبو علي القالي في الأمالي وغيرهم ، كما وأن علماء العربية في العصر العباسي - على سبيل المثال - كانوا يدرّسون اللغة العربية أدباً وبلاغة ونحواً وأسلوباً وقراءة وفهماً وتحليلاً ونقداً من خلال النصوص القرآنية والنصوص الأدبية شعراً ونثراً ، ومن خلال الخطب والرسائل ( مراد ، 2002م : 22 ) .
أما في العصر الحاضر فقد برز الاهتمام بفكرة التكامل في تعليم اللغة العربية منهجاً وطريقة بعد أن اقتنع التربويون بعدم جدوى تعليم اللغة وفق المدخل الموضوعي ( التفريعي ) الذي يقوم على أساس تفتيت الخبرة اللغوية المقدّمة للمتعلمين ، واعتبار أن اللغة مواد متميزة بعضها عن بعض : من نحوٍ يصون اللسان من اللحن ، ويحفظ القلم من الزلل ، وصرفٍ يبحث في بنية الكلمة ، وبلاغةٍ تحدد ملامح الجمال في الأسلوب ، وإملاءٍ يرشد إلى كيفية رسم الكلمة رسماً صحيحاً ، وتعبيرٍ ، وقراءةٍ ، ونصوصٍ ومحفوظاتٍ ... وأن كل مادة منها تؤدي غرضاً وتحقق أهدافاً لا يمكن أن تحقق إلاّ بدراسة كل مادة دراسة مستقلة عن غيرها من مواد اللغة العربية الأخرى .
لقد كان سائداً – وما زال – الاعتقاد في مجال تعليم اللغة بأن المتعلّم يتعلّم اللغة بصورة أفضل إن لم يخلط المعلمون في تعليمهم اللغة بين مواد اللغة المختلفة ، ومن ثمّ ترسّخ اعتقاد خاطئ بأن الأداء اللغوي لن يكون سليماً إلاّ بدراسة قواعد النحو والصرف ، والأدب والبلاغة ، والقراءة ، والكتابة ، من خلال كتب تركّز على المعرفة اللغوية وحصص مستقلة لكل مادة ، وفي هذا الاعتقاد تفتيت الخبرة اللغوية التي يفترض أن يكتسبها المتعلّم متكاملة ، وإغفال المهارات اللغوية التي ينبغي أن يتمثّلها في تواصله مع الآخرين في مواقف الحياة الاجتماعية .
إن الأخذ بهذا الاعتقاد مهّد الطريق إلى قطع الصلة بين مهارات اللغة ، مع مابينها من اتصال طبيعي ؛ لدرجة أصبح المعلّم والمتعلّم ينظران إلى كل فرعٍ لغويٍ على أنه قائم بذاته ، وليس بالضرورة أن تُربطَ مهارات كل فرع بالآخر ، فالمعلّم يغذي فكر المتعلّم بأن مراعاة الصحة اللغوية لا تكون إلاّ في درس قواعد اللغة ، وسلامة الهجاء لا مجال لها إلاّ في درس الإملاء ، وتكوين الذائقة الأدبية ليس مكانه خارج أسوار تعليم الأدب ، فضلاً عن النظرة النفقية ( الضيقة ) إلى أن المهارات التي تُدْرسُ في فرع من فروع اللغة لا تخدم سوى الفرع نفسه ، ولا تخدم الفروع الأخرى ، حتى وإن تقمَّصت كتب تعليم اللغة العربية – في الآونة الأخيرة – أدوار البطولة في لم شمل الأسرة اللغوية ، غير أن هذا اللّم غالباً ما يكون حبراً على ورق ، لا يأخذ مكانه إلى أرض ؛ لأن معلّم اللغة لم يهيأ لهذه الأدوار ، فهو لا يزال معتقداً بأهمية الناتج المعرفي ، منصرفاً عن الناتج المهاري ، ولعلّ في ممارسات المعلمين التدريسية ، وتقويم أداء تلاميذهم ما يؤكّد ذلك .
إن المُدخَل التفريعي ، مُدْخل التفتيت اللغوي – إن صحّ هذا التعبير – لعيوب كثيرة فيه ، تحول دون تمكّن المتعلّم من اكتساب الممارسات اللغوية السليمة ( السويسي ، وعبيد ، 1996م : 59 ) جعلت بعض الدول العربية تعدل عنه في بناء مناهج تعليم اللغة ، وتنفيذها في مراحل التعليم العام ، من أبرز تلك العيوب ما يلي :
· إن هذا المُدْخل يحول دون تمكّن المتعلّم من اكتساب الممارسة اللغوية السليمة .
· إن فيه تمزيقاً للغة يفسد جوهرها ، ويخرجها عن طبيعتها ، وهذا التمزيق يعدُّ تفتيتاً للخبرة اللغوية التي يكتسبها المتعلّم .
· إن تفتيت الخبرة اللغوية المكتسبة مُترتبٌ عليه عجز المتعلّم عن توظيف اللغة في المواقف الاجتماعية توظيفاً فاعلاً يحقق الهدف المنشود من تعلّمها .
· إن المتعلّم لا يتحرى الضبط الصحيح ، والنطق السليم إلاّ في درس قواعد اللغة ، ولا يتأنق في اختيار عباراته إلاّ في درس الأدب ، ولا يهتمّ برسم الكلمات رسماً صحيحاً إلاّ في درس الإملاء ، ولا يُلْبِسُ الحروف حُلّةً من الجمال إلاّ في درس الخط ، ولا يتمثّل المعنى إلاّ في درس القراءة ، أو درس النصوص الأدبية .
· إن حماس المعلّم يشتدُّ في درس نتيجة ميله إليه ، في حين يفترُ في درس لا يميل إليه ، مما يؤدي إلى عدم تعادل النمو اللغوي وتكافئه لدى المتعلّم في مواقف تعلّم اللغة .
· إن فرص التدريب على التعبير السليم تقلُّ في هذا المُدْخل ، ويضيق مجاله ، مع أن التعبير ثمرة الدراسات اللغوية جميعها ، وقمة التعلّم اللغوي .
وبالنظر إلى طبيعة اللغة فإنها تتكوّن من نظم لغوية عديدة ؛ صوتية ، وصرفية ، ونحوية ، ودلالية ، حين يطلق على الأفكار المركبة نظاماً يكون بينها علاقات عضوية ، بحيث يؤدي كل نظام منها في البناء اللغوي وظيفة تختلف عما يؤديه الآخر ، فللنظام تكامل عضوي ، واكتمال وظيفي يجعله جامعاً ؛ بحيث يصعب أن يستخرج منه شيئ ، أو أن يضاف إليه شيئ ( حسان ، 1979م : 312 ).
إن أبرز ما تتسم به اللغة كونها وحدة متكاملة ، وهذا التكامل يعود إلى كون اللغة مجموعة من النظم المتكاملة فيما بينها ، وعليه فإن توظيف معطيات المدخل التكاملي يساير طبيعة اللغة المتكاملة ، ويقضي على تفتيت اللغة إلى فروع ، ويجمع الفروع المتداخلة في معالجة واحدة ، وبالتالي فهو يوفر الوقت والجهد ، ويفتح المجال للمعلّم لتوحيد المفاهيم اللغوية ، ويعطي المتعلّم فرصة لتعلّم اللغة بصورة متكاملة على نحو ما يمارسها في أدائه ( عوض ، 2000م : 22 ) .
إن تعليم اللغة العربية وتعلّمها لا ينبغي أن يكون مخالفاً لطبيعة اللغة نفسها ، بل ينبغي أن يكون متكيفاً معها ، موصولاً بفكر علماء الأمة الأوائل الذين اشتغلوا بالدرس اللغوي ، وما كانوا في يوم من أيامهم يخرجون اللغة عن طبيعتها ، ولا يعلمونها بعيداً عن سياقها الاجتماعي الوظيفي .
ويؤكّد عبد الحليم ( 2003م : 300 ) على أن تعليم اللغة وتعلّمها يجب أن ينسجم مع طبيعتها ، وحيث إن اللغة ظاهرة اجتماعية فإن تعلّمها يجب أن يرتبط بمواقف اجتماعية واقعية أو افتراضية ، لا أن يتمّ بمعزل عن تلك المواقف ، وحيث ذلك فإن تعليم اللغة لا يكفي فيه مجرد المعرفة بالأشكال اللغوية وقواعدها ، وإنما ينبغي أن تُستثار فيه العمليات العقلية العليا ؛ لأن الأداء اللغوي بناءٌ ، ونسجٌ ، وصياغةُ معانٍ وأفكارٍ تختلجُ في نفس منتج اللغة ومتلقيها ، وبالتالي فإن تعليم اللغة يكون فاعلاً عندما يكون وسيلة لتنمية الإدراك والفكر والتأمل والتبصّر والمقارنة والتّذوق ، وتحقيقاً لوظائف الفرد والمجتمع .
الأسس النظرية للمدخل التكاملي في تعليم اللغة :
يستمد المدخل التكاملي في تعليم اللغة أسسه من كون الإنسان يُنتجُ لغةً متكاملة ، وهو يمثلُ اتجاهاً حديثاً في تعليم اللغة العربية وتعلّمها ، لأنه يساير طبيعة اللغة ، ويقضي على تفتيت اللغة وتجزئتها إلى فروع ، ويستند إلى أسس لغوية ، ونفسية لغوية ، ولغوية اجتماعية تؤكّد على أن اللغة مهارات أربع : الاستماع ، والتحدُّث ، والقراءة ، والكتابة ، وأن هذه المهارات هي محور ومرتكز تعليم اللغة ، دون فصلها عن بعضها بعضا ، بل تتم معالجة الدرس اللغوي على أساس أنها وحدة واحدة ، تسعى لتحقيق غاية واحدة ، هي التواصل اللغوي السليم في المحيط الاجتماعي .
إن المُدْخل التكاملي في تعليم اللغة يحمل بين طيّاته اتجاهاً عقلانياً لتعليم اللغة ، فهو يستند إلى أسس من أبرزها ما أشار إليه : ( يونس ، والناقة ، 1977م : 35 ؛ السويسي ، وعبيد ، 1996م : 60 ؛ مراد ، 2000م : 23 – 24 ؛ المومني ، 2001م : 274 – 277 ) .
· إنّ فروع اللغة ما هي إلاّ اللغة نفسها ، وحين يعلّم الفرع اللغوي متصلاً باللغة ككل تتضح وظائفه بشكل متكامل ، فالقاعدة النحوية ، أو الصرفية ، حين تُدرّس في موقف مستقل ، لا تحقق وظيفتها في النمو اللغوي ، في حين أنها لو دُرّست في موقف لغوي متكامل يستدعي دراستها ؛ لأدت إلى سرعة التعلّم ، ولأدرك المتعلّم نفسه وظيفتها في السياق اللغوي .
· إنّ في الارتكاز عند تعليم اللغة على المدخل التكاملي تجديداً لنشاط المتعلّم ، وبعثاً لشوقه ، ودفعاً للسآمة والملل عنه ؛ لتنويع العمل ، وتلوينه ، وعدم اقتصاره على فرع واحد من فروع اللغة ، وشعور المتعلّم بأهمية الخبرة اللغوية المتكاملة التي يكتسبها في سياق طبيعي .
· إنّ في تعليم اللغة وفق المدخل التكاملي ضماناً لمعالجات لغوية متكررة ؛ بتكرار الرجوع إلى المهارة اللغوية ، ودراستها من مختلف جوانبها ، وفي التكرار تثبيت للمهارة نفسها ، وتعميق للمعالجة اللغوية .
· إنّ في تعليم اللغة وفق هذا المدخل ضماناً للربط الوثيق بين ألوان الدراسات اللغوية ، مما ينعكس أثره على أداء المتعلّم ، وثقافته ، وتشكيل وعيه ، فضلاً عن أن المتعلّم يتعايش مع النص وقتاً أطول مما يمكّن من الاتصال بمعانيه ، والاندماج به ، ومن ثمّ ذوبانه فيه ، واستدخاله القيم والسلوكيات والاتجاهات الفكرية التي تشع فيه .
· إنّ في تعليم اللغة وفق هذا المدخل ضماناً للنمو اللغوي عند المتعلّم نموّاً متعادلاً ، لا تطغى فيه مهارة على أخرى ؛ لأن مهارات اللغة جميعها تعالج في ظروف واحدة ، لا يتفاوت فيها حماس المعلّم في الموقف التعليمي .
· إنّ في تعليم اللغة وفق المدخل التكاملي مسايرة للاستعمال اللغوي ؛ لأن المتعلّم حينما يستخدم اللغة في التعبير الشفهي أو الكتابي إنما يستخدمها وحدة مترابطة ، بمعنى أنه لا يستشير المعجم ليمدّه بالمفردات الملائمة لمقتضى الحال ، ولا يحتكم إلى قاعدة نحوية ليفهم كيف يؤلف جملة ، ويضبط كلمة ، وإنما يتم ذلك كله بصورة سريعة متكاملة مترابطة .
· إن تعليم اللغة يكون أسهل على المتعلّم وأيسر عندما تكون اللغة وظيفية تكاملية ، وعندما لا تكون مجزأة ، فأصغر وحدة وظيفية ذات معنى هي نصٌّ متكامل ضمن سياق لغوي اجتماعي يتلاءم مع خبرات المتعلّم .
· إذا كان تعلّم اللغة يتم بطريقة أفضل عندما يتعرّض لها المتعلّم بشكلها الكلي ، وفي سياق طبيعي ؛ فإن التكامل ( Integration ) هو أساس ومفتاح تعلّم اللغة .
· إنّ تعليم اللغة العربية في عصر العولمة والتفجّر المعرفي يستوجب تعليمها لتحقيق وظائفها الفكرية والاجتماعية ، على اعتبار العلاقة الوثيقة بين اللغة والتفكير ، وبين اللغة والمجتمع ، ومن هنا يكون تعليم اللغة تعليم للتفكير ، ومجال خصب لتدريب التلاميذ على مهارات الاستنتاج والتحليل والمقارنة والتمييز ، وإصدار الأحكام .
· إنّ تعليم اللغة يكون أكثر فاعلية إذا قام على أساس تناول مهارات اللغة على أنها وحدة متكاملة ، تؤدي دوراً وظيفياً في الحياة الفكرية والاجتماعية بدلاً من التركيز على الجانب النظري والمعرفي في معالجة اللغة .
ولكي تتحق الغايات النبيلة من تعليم اللغة العربية في مراحل التعليم العام ؛ فإن الآمال معقودة على المخططين اللغويين ، والقائمين على شؤون تعليمها في البلاد العربية والإسلامية ، تأصيل تعليمها ، وتوظيف معطيات علم اللغة ، وعلم النفس اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي عند بناء مناهج تعليم اللغة وتنفيذها وتقويمها وتطويرها .
إن تعليم اللغة العربية بحاجة ملحة إلى نظرية تعليمية لغوية ، مستمدة من فهم عميق لطبيعة اللغة نفسها ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ووظيفتها في المجتمع ، ودورها في التنمية الشاملة للمتعلمين : معرفياً ، ووجدانياً ، ومهارياً ، ونفسياً ، وفكرياً ، واجتماعياً ؛ بحيث تظهر نتائج تعليمها واضحة على الأداء اللغوي للمتعلمين ، الذي يبدو أنه يعاني من تصدعات مخيفة في البناء اللغوي ؛ تبرز جليّاً في تفكك التراكيب ، واضطرابها ، وانحرافها صرفياً ونحويا .
التطبيقات التربوية للمدخل التكاملي في تعليم اللغة العربية* :
يقتضي الأخذ بأفكار المُدْخل التكاملي منطلقاً في تعليم اللغة العربية مراعاة ما يلي :
· التحوّل من فكرة تعليم اللغة العربية على أنها فروع لغوية مستقلة لا طائل من ورائها سوى تفتيت الخبرة اللغوية ، إلى فكرة تكامل تعليم اللغة وتعليمها متكاملة وفقاً لطبيعتها المتكاملة ، ووفقاً لطبيعة تعلّمها وتعليمها .
· اتخاذ النص القرآني محوراً رئيساً في تعليم اللغة ؛ لأثره في زيادة الثروة اللغوية ، دون إغفال لنصوص من الحديث النبوي الشريف ، ومن تراث العرب قديمه وحديثه ، منظومه ومنثوره .
· اتخاذ النص اللغوي منطلقاً لتعليم اللغة في ضوء مهاراتها ، مما يحفظ للغة وحدتها وتكاملها ، والسير في ذلك على هدي المسلمين الأوائل في اختيار النص اللغوي الذي يكسب المتعلمين ثروة لغوية ، مع تنمية ذوق وتهذيب سلوك .
· تدريب التلاميذ من خلال دراسة النص على مهارات لغوية متكاملة ، تشمل الجوانب المعجمية ، والنحوية ، والبلاغية ، والنقدية ، والتعبيرية ، علاوة على المهارات القرائية ، ومهارات الكتابة ، ومهارات الاستماع والتحدّث ، وتنميتها لديهم .
· تكثيف الجهود داخل حجرة الصف الدراسي حول تحفز المتعلّم ليعبّر عن أفكاره باللغة ، فيناقش موضوعات قرائية تعايش معها عدة مرات ، أويحلل نصوصاً أدبية تحمل فكر الأمة وثقافتها وخبراتها ، أو يلخّص كتاباً ، أو يكتب تقريراً عن عمل قام به ، أو يعرض خبرة اكتسبها من النص .
· إعداد معلّم اللغة العربية إعداداً متكاملاً ، قبل الخدمة وأثناءها ؛ ليكون ذا قدرة أكاديمية تمكّنه من معالجة اللغة وحدة واحدة ، ومؤهلاً تربوياً على مستوى النظرية والتطبيق الميداني ، ومقتنعاً بجدوى التكامل اللغوي في تعليم اللغة تخطيطاً وتنفيذاً وتقويما .
· تدريب المشرف التربوي على تعليم اللغة العربية بشكل دوري ؛ ليكون على اطلاع بآخر المستجدات التربوية في تعليم اللغات وأحدث الاتجاهات في تعلّم اللغة وتعليمها ، ويتمكّن من نقل خبرته الجديدة إلى الميدان ؛ لإثراء المعلمين ، والرفع من أدائهم التدريسي .
· إلغاء فكرة الكتب التعليمية اللغوية المتعددة ، والاقتصار على كتاب واحد لكل صف دراسي ، تتنوّع فيه النصوص المقدّمة إلى المتعلمين ؛ بحيث تشمل نصوص انطلاق ، ونصوص دعمٍ وتعزيزٍ ، ونصوصاً إثرائيةً ، تُعالج من منظورات عديدة : استماعاً ، وقراءة ، وفهماً واستيعاباً ، واستنتاجاً وتحليلاً ، وتذوقاً ونقداً ، وتطبيقاً نحويّاً وإملائياً ، وتدريباً على التعبير الشفهي والكتابي ، فضلاً عما يدفع المتعلّم إلى اكتساب مهارات التعلّم الذاتي ، بتوجيهه إلى المعجمات والموسوعات ومصادر المعرفة الورقية والإلكترونية ، والاعتماد على نفسه في إثراء معارفه ، وتنمية مهاراته البحثية ، وتعليمه كيف يعلّم نفسه بنفسه .
· إلغاء فكرة الحصص المستقلة المخصصة لتعليم كل فرع من فروع اللغة ، وتوظيف الحصص المستمرة المتصلة المخصصة لتعليم اللغة ؛ لضمان معالجة النصوص معالجة متكاملة ، لا تنتهي بانتهاء الزمن المخصص للدرس ، بل تستمر المعالجة حتى يتمكّن المتعلّم من المهارات المستهدفة ، وفي هذا إدخال المتعلّم معترك العمل التعليمي في الوقت المخصص لتعليم اللغة مشاركاً في التخطيط ، والتنفيذ ، والتقويم ، وإثراء بيئة التعلّم بما من شأنه أن يرقى بالأداء اللغوي لديه ، ويفعّل دور اللغة في حياته .
· اعتماد طرق التدريس النشطة في مختلف المناشط اللغوية ؛ لتوجيه المتعلّم نحو أن يتعلّم كيف يتعلّم ، واعتباره محور العملية التعليمية ، وتبني طرق تدريس قائمة على حل المشكلات ، والتعلّم التعاوني ، والتعلّم البنائي ، والتعلّم النشط ، وتعليم التفكير وإكساب المتعلمين مهاراته ، والعصف الذهني ... كل ذلك لتحفيزه على تعلّم اللغة وتنميته فكرياً ووجدانيا ومهاريا .
· إدخال مبدأ التعلّم الذاتي في ميدان تعليم اللغة العربية ؛ لكونه أصبح من المسلمات في إطار التربية الحديثة عامة ، وتعليم اللغات خاصة ، وذلك استجابة طبيعية لطبيعة العصر الذي نعيشة ، عصر التفجّر المعرفي والانتشار الثقافي ، وما يقتضيانه من ضرورة ملاحقتهما ومواكبتهما من جهة ، ونظراً إلى أهمية الجهد الذاتي وما يقتضيه من تنقيب عن المعرفة ، وتدريب على استخدام مختلف مصادر التعلّم ؛ لكسب المعلومات والمهارات الضرورية لاستمرار التعلّم .
· توفير مصادر المعرفة التقنية ، وتدريب المتعلمين عليها ؛ لما لها من إثارة لاهتمامهم ، وجذباً لهم للإقبال على الدرس اللغوي ، وتدريب المعلمين على كيفية توظيفها في تعليم اللغة العربية .
· الانطلاق من الواقع اللغوي للمتعلمين ؛ بتحديد المهارات اللازمة لهم في كل مرحلة تعليمية ، بل وفي كل صف دراسي ، وجعلها محوراً للتدريب في مواقف تعليم اللغة العربية وفق المدخل التكاملي .
· توجيه تعليم اللغة العربية في المراحل الثلاث نحو سدّ حاجات المتعلمين اللغوية ؛ بتقديم المحتوى اللغوي الذي يلبي تلك الحاجات ، ويأخذ في الاعتبار بالمتغيرات الثقافية ، والحضارية ، وما يتطلّع إليه المجتمع من مشاركة أبنائه – حاضراً ومستقبلاً – في حل مشكلاته ، والارتقاء به إلى مصاف المجتمعات المتقدّمة .
· من المؤكّد أن المهارة اللغوية تتحقق بالاستخدام اللغوي الصحيح ، والأداء اللغوي الجيّد إرسالاً واستقبالاً ، ممارسة وتطبيقاً ، وأن هذا الأداء يمكن ملاحظته وقياسه من خلال ممارسة المتعلّم اللغة : استماعاً ، وتحدّثاً ، وقراءةً ، وكتابةً . ولذا فإن التركيز في تعليم اللغة العربية وفق المُدْخل التكاملي على الجانب المهاري ، ودعمه ، وتوجيه فعاليات التعليم نحوه ؛ يقود إلى مخرجات تعليمية قادرة على توظيف مهارات اللغة بشكل صحيح ، يحقق وظائفها في المجتمع .
· إنّ منهج تعليم اللغة يكون أكثر فاعلية إذا تناول مهارات اللغة على أنها وسائل لتحقيق غايات أرحب وأهم ، وعلى رأس قائمتها يأتي الاتصال ، ومن ثمّ فإن التركيز على هذه المهارات ، والنظر إليها نظرة متوازنة في برنامج تعليم اللغة يساعد على تنمية لغة المتعلّمين نموّاً متوازنا .
· يمكن لتعليم اللغة العربية أن يحقق أهدافه بشكل جيّد إذا اتجه التخطيط اللغوي نحو الأخذ بالاتجاه التكاملي في تعليم اللغة ، والتوجّه نحو تمهير تعليمها ، والنظر إلى اللغة على أنها مهارات أكثر منها محتوى ، فالتشابه بين التكامل والتمهير كبير جداً ، لا يمكن تجاهله ؛ حيث إن إحدى صور التكامل تتحقق في التكامل بين مهارات اللغة ، على مستوى النظرية والتطبيق ، الأمر الذي يعني أنه لايمكن أن يستقيم حال تعليم اللغة العربية بعيداً عن إدارته في ضوئهما .
· البرنامج التعليمي الذي يأخذ بالاتجاه التكاملي المهاري في تعليم اللغة يعمد إلى وضع المهارات اللغوية النوعية ، لكل مهارة لغوية من مهاراتها الأربع الرئيسة ، في مسلسلات هرمية متدرّجة ؛ لينطلق منها نحو تحديد أهداف تعليم اللغة في كل مرحلة تعليمية ، بل وفي كل صف دراسي ، وتضمينها المحتوى التعليمي اللغوي المقدّم للتلاميذ ، وتصميم التدريبات والمناشط اللغوية في ضوئها ؛ لأن تحديد المهارات اللغوية النوعية يساعد على وضوح الرؤية عند تأليف كتب تعليم اللغة ، كما يبصِّر المعلمين بالمهارات المستهدفة بالتدريب في كل مرحلة تعليمية ، وفي كل صف من صفوفها .
· تحديد المهارات المستهدفة تحديداً دقيقاً واضحاً ؛ للكشف عن الأهداف التعليمية التي تحققت ، وتلك التي لم تتحقق ، مما يساعد على توجيه تعليم اللغة نحو سدِّ الثغرات التي يكشف عنها تقويم البرنامج ، ليعاد النظر فيه بتطويره ، وتلافي جوانب القصور فيه ، ودعم جوانب القوة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
مراجع ورقة العمل
(1) بادي ، غسان خالد ( 1406هـ ) . " تحديد معنى طريقة التدريس في إطار علمي متجدد " بحوث تربوية ونفسية ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، معهد اللغة العربية ، وحدة البحوث والمناهج ، ص ص 83 – 97 .
(2) حسان ، تمّام ( 1979م ) . اللغة العربية معناها ومبناها ، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب .
(3) سلام ، على عبد العظيم ( 1993م ) . أثر تكامل منهج اللغة العربية على الأداء اللغوي لتلاميذ الصف الأول الإعدادي ، رسالة دكتوراه ( غير منشورة ) ، الإسكندرية : جامعة الإسكندرية ، كلية التربية .
(4) سمك ، محمد صالح ( 1979م ) . فن التدريس للتربية اللغوية ، وانطباعاتها المسلكية وأنماطها ، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية .
(5) السويسي ، رضا ، وعبيد ، عبد اللطيف ( 1996م ) . طرائق وأساليب تدريس اللغة العربية في المرحلة الثانوية بالوطن العربي وسبل الارتقاء بها ، تونس : المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، إدارة التربية .
(6) عبد الحليم ، أحمد المهدي ( 2003م ) . أشتات مجتمعات في التربية والتنمية ، القاهرة : دار الفكر العربي .
(7) عثمان ، سيد أحمد ( 1986م ) . " التخطيط اللغوي وتعليم اللغة العربية " دراسات تربوية ، المجلد الأول ، الجزء الرابع ، القاهرة : عالم الكتب ، ص ص 19 – 24 .
(8) عوض ، أحمد عبده ( 2000م ) . مداخل تعليم اللغة العربية – دراسة مسحية نقدية ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، مركز البحوث التربوية والنفسية .
(9) لويس ، م .م ( 1959م ) . اللغة في المجتمع ، ترجمة : تمّام حسان ، القاهرة : دار إحياء الكتب العربية .
(10) مبارك ، فتحي يوسف ( 1988م ) . الأسلوب التكاملي في بناء المنهج – النظرية والتطبيق ، القاهرة : دار المعارف .
(11) مراد ، سعيد محمد ( 2002م ) . التكاملية في تعليم اللغة العربية ، الأردن – إربد : دار الأمل للنشر والتوزيع .
(12) المومني ، إبراهيم عبد الله ( 2001م ) . " منحى اللغة الكلي : الفلسفة والمبادئ والتضمينات التربوية " مجلة دراسات – العلوم التربوية ، المجلد 28 ، العدد الثاني ، ص ص 272- 285 .
(13) الناقة ، محمود كامل ( 1985م ) . تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، معهد اللغة العربية ، وحدة البحوث والمناهج .
(14) يونس ، فتحي علي ، والناقة ، محمود كامل ( 1977م ) . أساسيات تعليم اللغة العربية ، القاهرة : دار الثقافة .