المبدأ التكاملي في تدريس اللغة

أشواق هاشم

مدربة مركزية

معلومات العضو

إنضم
20 مايو 2011
النقاط
0
نشاط أشواق هاشم:
15
0
0
  • المبدأ التكاملي في تدريس اللغة
المُدْخَل التكاملي في تعليم اللغة العربية بمراحل التعليم العام : أسسه النظرية وتطبيقاته التربوية

" نحو بناء لغوي متماسك "



ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر العالمي الأول للغة العربية وآدابها " إسهامات اللغة والأدب في البناء الحضاري للأمة الإسلامية – تحت محور سبل توجيه عملية تعليم اللغة العربية وتعلّمها نحو البناء الحضاري للأمة "

18 – 20 ذو القعدة 1428هـ / 28 – 30 نوفمبر 2007م

إعداد

د . دخيل الله بن محمد الدهماني

أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية المشارك

كلية التربية – جامعة أم القرى

1428هـ / 2007م

بسم الله الرحمن الرحيم​
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وعلى آله وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :


مقدمة :

إن أيَّ مجتمع ينشد التقدّم والرقي ، ويبحث لنفسه عن مكان مميّز في هرم الحضارة ؛ لابد وأن يحسنَ العناية بلغته ، ويعملَ جاهداً ، بما أوتي من بصيرة ، على تذليل الصعوبات والعقبات التي تعترض مسيرة تعليمها ، ويبحثَ عن كل ما من شأنه تطوير تعليمها وتعلّمها بحيث يساير الاتجاهات التربوية الحديثة في تعليم اللغات وتعلّمها ؛ ليكون تعليمُها تنميةً لفكر الإنسان ، وصوغاً لوجوده الداخلي .

ومن المؤكّد أن أول متطلبات الارتقاء والنهوض بتعليم اللغة العربية أن يكون هناك تخطيطٌ لغويٌّ محكمٌ ، لا يقلُّ الاهتمام به عن أي تخطيط اقتصادي ، أواجتماعي ، أوعسكري ؛ لأن اللغة هي صائغةُ الوجود الداخلي للإنسان والأمة بأسرها ، بل إن أيَّ تخطيط لجانب من جوانب الحياة في الأمة ، لا يستقيم أمره ، بعيداً عن التخطيط المحكم لسلامة وصحة الوجود الداخلي للإنسان نفسه ، ولفكر الأمة ، وعلى رأس قائمة هذا التخطيط يتربّع التخطيط اللغوي ( عثمان ، 1986م : 20 -21 ) .

تؤكد الأدبيات المتاحة في مجال تعليم اللغة على أن من مهام التخطيط اللغوي تصميم المداخل التعليمية المتسقة مع طبيعة اللغة ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ومع نتائج البحوث في علم اللغة الحديث ، وما يناسبها من طرق التدريس التي تتيح للمتعلّم ممارسة اللغة ، واستخدامها ؛ وصولاً إلى الاستدخال اللغوي ، الذي يؤدي بالمتعلّم إلى تعلّم اللغة ، وبالتالي تماسك لبنات بنائه اللغوي .

إن تصميم المداخل التعليمية يساعد واضعي مناهج تعليم اللغة ومنفذيها على توجيه تعليمها وتعلّمها نحو تحقيق غاياتتها ؛ حيث إن تصميم المداخل يشير إلى النظرية اللغوية التربوية التي يتبناها واضعو المنهج التعليمي اللغوي ، مما يؤمّن المناخ التعليمي الملائم لسير العملية التعليمية ، ويعمل على تحقيق أفضل النتائج .

وجدير بالذكر أن المدخل التعليمي تتبلور فيه فلسفة تعليم اللغة وتعلّمها ، وتؤطَّر فيه كافة المناشط الفاعلة للارتقاء بالأداء اللغوي للمتعلمين ، في صورة برامج تعليمية تتحقق فيها فلسفة المعرفة ، وأسس التربية ونظريات علم اللغة ، ونظريات علم النفس اللغوي ، ونظريات علم اللغة الاجتماعي ؛ لتحقيق أهداف تعليم اللغة ، وإحداث تعلّم لغوي أفعل ،كما تتحقق في المدخل أسس بناء مناهج تعليم اللغة ، وتنظيم محتواها ، وتحديد طرق التدريس المستخدمة ، والوسائل وأساليب التقويم وأدواته .

وقد تجاذبت تعليم اللغة تنظيراً وتطبيقاً مداخل عديدة ، كان من أبرزها : المدخل الموضوعي " التفريعي " ، والمدخل التكاملي ، والمدخل المهاري ، والمدخل الاتصالي ، والمدخل الوظيفي . وهذه المداخل ليست الوحيدة التي توجه ، وتضبط تعليم اللغة ، وإنما هناك مداخل أخرى كثيرة ، بعضها يتصل بالنشاط اللغوي ، وتحديد الأهداف ، وتنمية الإبداع ، وتفريد التعليم ، والتعلّم الذاتي ، فضلاً عن المدخل التقني الذي أخذ يفرض نفسه بقوة على تعليم اللغة ؛ استجابة طبيعية للتفجر العلمي والتطور التقني في العصر الحاضر .

وبمراجعة أدبيات تعليم اللغة العربية يتبيّن أن حظ تعليمها من هذه المداخل قليلٌ جداً مقارنة بتعليم اللغات الأجنبية ؛ فتعليم اللغة العربية ما زال يستند إلى مداخل تقليدية عفى عليها الزمن ، لم يعد لها ذكر سوى في أدبيات تعليم اللغة العربية ، حيث مازالت مناهج تعليمها في مراحل التعليم – في غير بلد عربي - تصمم وفق المدخل الموضوعي " التفريعي " مدخل تفتيت الخبرة اللغوية ، التي يفترض أن تقدّم للمتعلّم متكاملة تكامل اللغة نفسها .

إن اللغة العربية لغة القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، ولغة الخطاب ، ولغة التعليم في غير بلد عربي إسلامي ، بها يتعلّم التلاميذ ، وبها يعبرون عن أفكارهم ، وأحاسيسهم ، ورغباتهم ، وحاجاتهم ، فضلاً عن اكتسابهم – عن طريق تعلّم اللغة – طرق التفكير في المجتمع . وفي هذا السياق يؤكّد لويس ( 1959م : 49 ) على أن الفرد يكتسب من اللغة طرق التفكير في المجتمع الذي يعيش فيه ، وأن في اكتساب الطفل اللغة في المدرسة اكتساباً لطرق التفكير في المجتمع .

ومن المؤكّد أن الاهتمام باللغة العربية تعلماً وتعليماً اهتمام بالقرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، ومحافظة على الهوية العربية الإسلامية من الذوبان ، وأن أيَّ تخطيطٍ في المجتمع ينبغي أن يكون على رأسه تخطيط لغوي يعبر عن فكر الأمة ؛ ذلكم أن حياة الأمة مرهونة بحياة لغتها ، وارتفاع بنيان حضارة الأمة معتمد على ارتفاع لغتها ، وأن اللغة عندما تقوى تشتدّ أركان الحضارة ( عثمان ، 1986م : 19 ) .

وحيث ذلك ، فإن تبني أفكار مُدْخل تعليمي يساير طبيعة اللغة العربية في بناء مناهج تعليمها ، وتطوير طرق تدريسها ، وتعليمها للتلاميذ في مراحل التعليم العام يعتبر مطلباً تربوياً وتعليمياً ملحاً ، للتخفيف من الأزمة التربوية الحادة المتمثلة في تدني كفاءة وفاعلية مخرجات التعليم بكافة مراحله ومستوياته ، ومنها المخرج اللغوي .



مفهوم المدخل :

تعرّفُ بعض أدبيات تعليم اللغة العربية المُدْخل Approach لغوياً على أنه مكان الدخول وزمانه ، فهو اسم زمان واسم مكان معاً ، أي يناط به تحديد نفطة البداية المكانية ، وزمان البداية في أي نشاط ، وفي مجال التربية يعني المُدْخل الترجمة التربوية لنظرية المعرفة في صورة برامج تعليمية تتحقق فيها فلسفة المعرفة نفسها ، وأسس التربية ونظريات علم النفس ؛ من أجل تحقيق الأهداف المبتغاة سواء أكانت أهدافا للمجتمع أم للفرد ، وتتحقق في المدخل أسس المناهج ، وتستوفى عناصرها المعروفة : أهدافاً ومحتوىً وطرائق تدريس ومناشط تعليمية وأساليب تقويم ( الناقة ، 1985م : 51 ) .

ويرى بعض المختصين بتعليم اللغة أن المُدْخل هو عبارة عن مجموعة افتراضات ( لغوية ونفس لغوية ولغوية اجتماعية ) تربطها مع بعضها علاقات متبادلة ، تتصل اتصالاً وثيقاً بطبيعة اللغة ، وطبيعة عمليتي تعليمها وتعلّمها ، إنه عملية اختيار منظمة تتمخّض عنها المبادئ الرئيسة لخطة تعليم اللغة ، وتستند إلى نتائج العلوم المتداخلة : علم اللغة ، وعلم النفس اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي ( بادي ، 1406هـ : 86 ) .

إن عملية وضع مُدْخل لتعليم اللغة عملية تُنسجُ خيوطها الفكرية على مستوى التخطيط اللغوي قبل تصميم مناهج تعليم اللغة وبنائها ، عملية ترتبط بكيفية اختيار المادة اللغوية التعليمية ، وكيفية تدريج المادة اللغوية التعليمية التي تمّ اختيارها ، وكيفية تقديم المادة التعليمية اللغوية التي أُختيرت ودُرِّجت ، ثم بعد هذا وذاك كيفية تقويم ما اختير وما دُرِّج وما قدِّم .

ومن المؤكّد أن تبني مُدْخلاً بعينه لتعليم اللغة وتعلّمها عملية فكرية قائمة على التخطيط المحكم والأفعال العقلانية بعيدة كل البعد عن العشوائية والارتجال ، تنعكس نتائجها على تخطيط مناهج تعليم اللغة وبنائها ، وتنفيذها ، وتقويمها وتطويرها . فالمدخل التعليمي اللغوي الذي يتبنى فكرة الكم اللغوي واعتبار اللغة كماً من المواد الدراسية ( فروعاً ) ؛ سيرتكز في اختيار المادة التعليمية اللغوية وتنظيمها وعرضها على تفتيت اللغة في مواد مستقلة مجزأة ، لكل مادة منهجها ، وكتبها ، وحصصها ، ومناشطها اللغوية المستقلة ، وكذلك تقويمها بمعزل عن تقويم غيرها من المواد اللغوية الأخرى ، بل وربما كان لكل مادة منها معلّمٌ مختصٌ بتعليمها !! أما المدخل التعليمي اللغوي الذي يتبنى فكرة التكامل أسلوباً في اختيار المادة التعليمية اللغوية وتنظيمها وتقديمها وتقويمها ؛ فإنه سوف ينطلق من فكرة ترابط مهارات اللغة وتكاملها ووظيفيتها متجاوزاً التفريع إلى التكامل والوحدة .

إن الأفكار التي ينطوي عليها المدخل التعليمي اللغوي تأخذ طريقها إلى معلمي اللغة لتنفيذها من خلال وثيقة المنهج ، فيتأثرون بها ؛ فالمعلّم الذي يعتقد بأن تعليم اللغة تعليم موادٍ لغوية منفصلة سوف يعنى بالمعرفة اللغوية على حساب مهارات اللغة ووظيفتها وتعليم ثقافة اللغة ، وبالتالي سيوجِّهُ أساليب التدريس وإجراءاته ومناشطه لتحقيق ذلك ، وتوجيه جهود المتعلمين نحو المعرفة والحفظ وتخزين المعلومات ، في حين أن المعلّم الذي يدرك تمام الإدراك بأن اللغة وحدة واحدة وكل متكامل ، فإنه سوف يُعنى بإعداد دروس لغوية يساعد من خلالها المتعلمين على تعلّم اللغة وتعلّم ثقافتها واكتساب مهاراتها ، وسوف يوجه مناشط التعليم لخدمة هذه الفكرة ( سلام ، 1993م : 99 ) .

وجدير بالذكر أن وضع مدخل لتعليم اللغة عملية منظمة تتمخّض عنها المبادئ والأسس الرئيسة لخطة تعليم اللغة ، ففي المُدْخل تحدد المواقف اللغوية الاجتماعية وما يدخل فيها من أمور يجب مراعاتها في تعليم اللغة ، مثل الثقافة والتقاليد الاجتماعية التي تنعكس في اللغة . كما أن خصائص اللغة تفرض نفسها على تعليم اللغة من خلال المبادئ التي يتضمنها المُدْخل عادة ، فاللغة العربية – على سبيل المثال – لغة اشتقاق ، ولهذا ينص المُدْخل على تعليم الاشتقاق ؛ لما له من أثر في التنمية اللغوية لدى المتعلمين . أما نظريات علم النفس اللغوي فتتمخض عنها استراتيجيات التعلّم ونماذج الأداء ، حيث إنها تلقي الضوء على كيفية اكتساب اللغة ، وأساليب التعلّم اللغوي ، وأبرز الطرق التي من خلالها يمكن للمتعلّم أن يتعلّم ، كالنشاط ، والمحادثة ، والحوار ، والتدريب ( بادي ، 1406هـ : 87 ) .



مفهوم التكامل :

التكامل هو تحقيق الكلية والكمال والوحدة ، عملية تحدث في المتعلّم ، تعني أن ما يتعلّمه يصبح جزءاً من شخصيته ، يمتزج بما لديه من فهم وقدرات واتجاهات ، ليكون ما تعلّمه مفيداً وذا معنى عنده ، يُترجمُ في سلوكه مباشرة ، ويتفاعل مع خبرات أخرى سابقة لديه ( مراد ، 2002م : 15 ) .

وفي مجال تعليم اللغة فإن التكامل أسلوب لتنظيم عناصر الخبرة اللغوية المقدّمة للمتعلّمين ، وتعليمها بما يحقق ترابطها وتوحدها بصورة تمكنهم من إدراك العلاقات بينها ، وتوظيفها في أدائهم اللغوي ، وذلك من خلال محتوى لغوي متكامل البناء ، ترتبط فيه توجيهات الممارسة والتدريبات اللغوية ، والقواعد اللغوية بمهارات اللغة ، ونوع الأداء المطلوب ؛ من خلال نص لغوي متكامل ، يعالج بطريقة تعتمد إجراءاتها على التكامل والتدريب والممارسة اللغوية ، وتقويم أداء المتعلّم بصورة تكاملية ؛ وذلك بما يحقق التكامل بين جوانب الخبرة اللغوية : معرفياً ووجدانياً ومهاريا ( عوض ، 2000م : 21 ) .

إن التكامل في تعليم اللغة يعني – باختصار شديد – تنظيم المادة التعليمية اللغوية ، وتدريجها ، وتقديمها متكاملة في هيئة مهارات لغوية وظيفية متجاوزاً تقسيمها فروعاً متفرقة ومعلومات مجزأة ، وخبرات لغوية مفتتة . وهو بتعبير آخر النظر إلى اللغة ، عند بناء مناهج تعليمها ، وإعداد كتبها ، وتحديث طرق تدريسها ، على أنها وحدة مترابطة متماسكة ، وليست فروعاً معرفية مختلفة .

ويستند التكامل في بناء المحتوى التعليمي اللغوي على أحدث معطيات علم النفس التربوي ؛ فالتعلّم في نظره قائم في أساسه على نشاط المتعلّم نفسه ودافعيته للتعلّم ، فهو لا يتعلّم إلاّ ما يمثل حاجة لديه ، ويشعر بفائدته وجدواه ، فضلاً عن أن أسلوب التكامل يعترف بالفروق الفردية بين المتعلمين فيقدّم لهم مناشط تعليمية منوّعة ، وأوجه تعلّم مختلفة ، تمكنهم من التعلّم الهادف في حدود إمكاناتهم وخبراتهم واستعداداتهم ، ولذا فإنه يهتم كثيراً بتكاملية أشكال المعرفة والخبرات والمهارات وتحقيق الحاجات التعليمية ، وتكاملية المناشط والوسائل التعليمية ، كما يعمد لتحقيق أهدافه إلى تفعيل طرق تدريس تكاملية تفاعلية قائمة على التفاعل المستمر بين المعلّم والمتعلّم ، واعتبار المتعلّم ركناً رئيسا في العملية التعليمية ، يحتاج إلى تكاملية مستمرة في عمليات تقويم أدائه ، وتقويم ما له علاقة بتعلّمه ( مبارك ، 1988م : 3 ؛ مراد ، 2002م : 16 ) .


فكرة التكامل في تعليم اللغة العربية :

فكرة التكامل في تعليم اللغة العربية فكرة قديمة جداً ضاربة في أعماق ثقافتنا العربية الإسلامية ، فقد أدرك علماء العربية قديماً هذه الفكرة حين اتخذوا من النص الأدبي محوراً تتجمّع حوله معالجات لغوية عديدة ؛ من تفسير مفردات النص وشرح عباراته ، وكشف مشتملاته من الصور البلاغية والمسائل النحوية ، إلى ما هنالك من إشارات تاريخية ومواقع جغرافية ، ومافي النص من مؤشرات عن الحياة الاجتماعية والثقافية لعصر الشاعر أوالأديب ، وما لصاحب النص من مميزات أسلوبية ، ومدى تأثره بغيره وتأثيره في سواه ، والوقوف على الظروف التي قيل فيها النص ومناسبته ، ومواضع تقاطع النص مع نصوص أخرى مشابهة ، والولوج إلى موسيقى النص ، وإجراء العديد من القراءات ( سمك ، 1979م : 73 ) .

وقد سلك هذا المنهج في استنطاق النصوص ، ومعالجتها في صورة متكاملة ، الجاحظ في البيان والتبيين ، والمبرد في الكامل ، وأبو علي القالي في الأمالي وغيرهم ، كما وأن علماء العربية في العصر العباسي - على سبيل المثال - كانوا يدرّسون اللغة العربية أدباً وبلاغة ونحواً وأسلوباً وقراءة وفهماً وتحليلاً ونقداً من خلال النصوص القرآنية والنصوص الأدبية شعراً ونثراً ، ومن خلال الخطب والرسائل ( مراد ، 2002م : 22 ) .

أما في العصر الحاضر فقد برز الاهتمام بفكرة التكامل في تعليم اللغة العربية منهجاً وطريقة بعد أن اقتنع التربويون بعدم جدوى تعليم اللغة وفق المدخل الموضوعي ( التفريعي ) الذي يقوم على أساس تفتيت الخبرة اللغوية المقدّمة للمتعلمين ، واعتبار أن اللغة مواد متميزة بعضها عن بعض : من نحوٍ يصون اللسان من اللحن ، ويحفظ القلم من الزلل ، وصرفٍ يبحث في بنية الكلمة ، وبلاغةٍ تحدد ملامح الجمال في الأسلوب ، وإملاءٍ يرشد إلى كيفية رسم الكلمة رسماً صحيحاً ، وتعبيرٍ ، وقراءةٍ ، ونصوصٍ ومحفوظاتٍ ... وأن كل مادة منها تؤدي غرضاً وتحقق أهدافاً لا يمكن أن تحقق إلاّ بدراسة كل مادة دراسة مستقلة عن غيرها من مواد اللغة العربية الأخرى .

لقد كان سائداً – وما زال – الاعتقاد في مجال تعليم اللغة بأن المتعلّم يتعلّم اللغة بصورة أفضل إن لم يخلط المعلمون في تعليمهم اللغة بين مواد اللغة المختلفة ، ومن ثمّ ترسّخ اعتقاد خاطئ بأن الأداء اللغوي لن يكون سليماً إلاّ بدراسة قواعد النحو والصرف ، والأدب والبلاغة ، والقراءة ، والكتابة ، من خلال كتب تركّز على المعرفة اللغوية وحصص مستقلة لكل مادة ، وفي هذا الاعتقاد تفتيت الخبرة اللغوية التي يفترض أن يكتسبها المتعلّم متكاملة ، وإغفال المهارات اللغوية التي ينبغي أن يتمثّلها في تواصله مع الآخرين في مواقف الحياة الاجتماعية .

إن الأخذ بهذا الاعتقاد مهّد الطريق إلى قطع الصلة بين مهارات اللغة ، مع مابينها من اتصال طبيعي ؛ لدرجة أصبح المعلّم والمتعلّم ينظران إلى كل فرعٍ لغويٍ على أنه قائم بذاته ، وليس بالضرورة أن تُربطَ مهارات كل فرع بالآخر ، فالمعلّم يغذي فكر المتعلّم بأن مراعاة الصحة اللغوية لا تكون إلاّ في درس قواعد اللغة ، وسلامة الهجاء لا مجال لها إلاّ في درس الإملاء ، وتكوين الذائقة الأدبية ليس مكانه خارج أسوار تعليم الأدب ، فضلاً عن النظرة النفقية ( الضيقة ) إلى أن المهارات التي تُدْرسُ في فرع من فروع اللغة لا تخدم سوى الفرع نفسه ، ولا تخدم الفروع الأخرى ، حتى وإن تقمَّصت كتب تعليم اللغة العربية – في الآونة الأخيرة – أدوار البطولة في لم شمل الأسرة اللغوية ، غير أن هذا اللّم غالباً ما يكون حبراً على ورق ، لا يأخذ مكانه إلى أرض ؛ لأن معلّم اللغة لم يهيأ لهذه الأدوار ، فهو لا يزال معتقداً بأهمية الناتج المعرفي ، منصرفاً عن الناتج المهاري ، ولعلّ في ممارسات المعلمين التدريسية ، وتقويم أداء تلاميذهم ما يؤكّد ذلك .

إن المُدخَل التفريعي ، مُدْخل التفتيت اللغوي – إن صحّ هذا التعبير – لعيوب كثيرة فيه ، تحول دون تمكّن المتعلّم من اكتساب الممارسات اللغوية السليمة ( السويسي ، وعبيد ، 1996م : 59 ) جعلت بعض الدول العربية تعدل عنه في بناء مناهج تعليم اللغة ، وتنفيذها في مراحل التعليم العام ، من أبرز تلك العيوب ما يلي :

· إن هذا المُدْخل يحول دون تمكّن المتعلّم من اكتساب الممارسة اللغوية السليمة .
· إن فيه تمزيقاً للغة يفسد جوهرها ، ويخرجها عن طبيعتها ، وهذا التمزيق يعدُّ تفتيتاً للخبرة اللغوية التي يكتسبها المتعلّم .
· إن تفتيت الخبرة اللغوية المكتسبة مُترتبٌ عليه عجز المتعلّم عن توظيف اللغة في المواقف الاجتماعية توظيفاً فاعلاً يحقق الهدف المنشود من تعلّمها .
· إن المتعلّم لا يتحرى الضبط الصحيح ، والنطق السليم إلاّ في درس قواعد اللغة ، ولا يتأنق في اختيار عباراته إلاّ في درس الأدب ، ولا يهتمّ برسم الكلمات رسماً صحيحاً إلاّ في درس الإملاء ، ولا يُلْبِسُ الحروف حُلّةً من الجمال إلاّ في درس الخط ، ولا يتمثّل المعنى إلاّ في درس القراءة ، أو درس النصوص الأدبية .
· إن حماس المعلّم يشتدُّ في درس نتيجة ميله إليه ، في حين يفترُ في درس لا يميل إليه ، مما يؤدي إلى عدم تعادل النمو اللغوي وتكافئه لدى المتعلّم في مواقف تعلّم اللغة .
· إن فرص التدريب على التعبير السليم تقلُّ في هذا المُدْخل ، ويضيق مجاله ، مع أن التعبير ثمرة الدراسات اللغوية جميعها ، وقمة التعلّم اللغوي .

وبالنظر إلى طبيعة اللغة فإنها تتكوّن من نظم لغوية عديدة ؛ صوتية ، وصرفية ، ونحوية ، ودلالية ، حين يطلق على الأفكار المركبة نظاماً يكون بينها علاقات عضوية ، بحيث يؤدي كل نظام منها في البناء اللغوي وظيفة تختلف عما يؤديه الآخر ، فللنظام تكامل عضوي ، واكتمال وظيفي يجعله جامعاً ؛ بحيث يصعب أن يستخرج منه شيئ ، أو أن يضاف إليه شيئ ( حسان ، 1979م : 312 ).

إن أبرز ما تتسم به اللغة كونها وحدة متكاملة ، وهذا التكامل يعود إلى كون اللغة مجموعة من النظم المتكاملة فيما بينها ، وعليه فإن توظيف معطيات المدخل التكاملي يساير طبيعة اللغة المتكاملة ، ويقضي على تفتيت اللغة إلى فروع ، ويجمع الفروع المتداخلة في معالجة واحدة ، وبالتالي فهو يوفر الوقت والجهد ، ويفتح المجال للمعلّم لتوحيد المفاهيم اللغوية ، ويعطي المتعلّم فرصة لتعلّم اللغة بصورة متكاملة على نحو ما يمارسها في أدائه ( عوض ، 2000م : 22 ) .

إن تعليم اللغة العربية وتعلّمها لا ينبغي أن يكون مخالفاً لطبيعة اللغة نفسها ، بل ينبغي أن يكون متكيفاً معها ، موصولاً بفكر علماء الأمة الأوائل الذين اشتغلوا بالدرس اللغوي ، وما كانوا في يوم من أيامهم يخرجون اللغة عن طبيعتها ، ولا يعلمونها بعيداً عن سياقها الاجتماعي الوظيفي .

ويؤكّد عبد الحليم ( 2003م : 300 ) على أن تعليم اللغة وتعلّمها يجب أن ينسجم مع طبيعتها ، وحيث إن اللغة ظاهرة اجتماعية فإن تعلّمها يجب أن يرتبط بمواقف اجتماعية واقعية أو افتراضية ، لا أن يتمّ بمعزل عن تلك المواقف ، وحيث ذلك فإن تعليم اللغة لا يكفي فيه مجرد المعرفة بالأشكال اللغوية وقواعدها ، وإنما ينبغي أن تُستثار فيه العمليات العقلية العليا ؛ لأن الأداء اللغوي بناءٌ ، ونسجٌ ، وصياغةُ معانٍ وأفكارٍ تختلجُ في نفس منتج اللغة ومتلقيها ، وبالتالي فإن تعليم اللغة يكون فاعلاً عندما يكون وسيلة لتنمية الإدراك والفكر والتأمل والتبصّر والمقارنة والتّذوق ، وتحقيقاً لوظائف الفرد والمجتمع .





الأسس النظرية للمدخل التكاملي في تعليم اللغة :

يستمد المدخل التكاملي في تعليم اللغة أسسه من كون الإنسان يُنتجُ لغةً متكاملة ، وهو يمثلُ اتجاهاً حديثاً في تعليم اللغة العربية وتعلّمها ، لأنه يساير طبيعة اللغة ، ويقضي على تفتيت اللغة وتجزئتها إلى فروع ، ويستند إلى أسس لغوية ، ونفسية لغوية ، ولغوية اجتماعية تؤكّد على أن اللغة مهارات أربع : الاستماع ، والتحدُّث ، والقراءة ، والكتابة ، وأن هذه المهارات هي محور ومرتكز تعليم اللغة ، دون فصلها عن بعضها بعضا ، بل تتم معالجة الدرس اللغوي على أساس أنها وحدة واحدة ، تسعى لتحقيق غاية واحدة ، هي التواصل اللغوي السليم في المحيط الاجتماعي .

إن المُدْخل التكاملي في تعليم اللغة يحمل بين طيّاته اتجاهاً عقلانياً لتعليم اللغة ، فهو يستند إلى أسس من أبرزها ما أشار إليه : ( يونس ، والناقة ، 1977م : 35 ؛ السويسي ، وعبيد ، 1996م : 60 ؛ مراد ، 2000م : 23 – 24 ؛ المومني ، 2001م : 274 – 277 ) .

· إنّ فروع اللغة ما هي إلاّ اللغة نفسها ، وحين يعلّم الفرع اللغوي متصلاً باللغة ككل تتضح وظائفه بشكل متكامل ، فالقاعدة النحوية ، أو الصرفية ، حين تُدرّس في موقف مستقل ، لا تحقق وظيفتها في النمو اللغوي ، في حين أنها لو دُرّست في موقف لغوي متكامل يستدعي دراستها ؛ لأدت إلى سرعة التعلّم ، ولأدرك المتعلّم نفسه وظيفتها في السياق اللغوي .
· إنّ في الارتكاز عند تعليم اللغة على المدخل التكاملي تجديداً لنشاط المتعلّم ، وبعثاً لشوقه ، ودفعاً للسآمة والملل عنه ؛ لتنويع العمل ، وتلوينه ، وعدم اقتصاره على فرع واحد من فروع اللغة ، وشعور المتعلّم بأهمية الخبرة اللغوية المتكاملة التي يكتسبها في سياق طبيعي .
· إنّ في تعليم اللغة وفق المدخل التكاملي ضماناً لمعالجات لغوية متكررة ؛ بتكرار الرجوع إلى المهارة اللغوية ، ودراستها من مختلف جوانبها ، وفي التكرار تثبيت للمهارة نفسها ، وتعميق للمعالجة اللغوية .
· إنّ في تعليم اللغة وفق هذا المدخل ضماناً للربط الوثيق بين ألوان الدراسات اللغوية ، مما ينعكس أثره على أداء المتعلّم ، وثقافته ، وتشكيل وعيه ، فضلاً عن أن المتعلّم يتعايش مع النص وقتاً أطول مما يمكّن من الاتصال بمعانيه ، والاندماج به ، ومن ثمّ ذوبانه فيه ، واستدخاله القيم والسلوكيات والاتجاهات الفكرية التي تشع فيه .
· إنّ في تعليم اللغة وفق هذا المدخل ضماناً للنمو اللغوي عند المتعلّم نموّاً متعادلاً ، لا تطغى فيه مهارة على أخرى ؛ لأن مهارات اللغة جميعها تعالج في ظروف واحدة ، لا يتفاوت فيها حماس المعلّم في الموقف التعليمي .
· إنّ في تعليم اللغة وفق المدخل التكاملي مسايرة للاستعمال اللغوي ؛ لأن المتعلّم حينما يستخدم اللغة في التعبير الشفهي أو الكتابي إنما يستخدمها وحدة مترابطة ، بمعنى أنه لا يستشير المعجم ليمدّه بالمفردات الملائمة لمقتضى الحال ، ولا يحتكم إلى قاعدة نحوية ليفهم كيف يؤلف جملة ، ويضبط كلمة ، وإنما يتم ذلك كله بصورة سريعة متكاملة مترابطة .
· إن تعليم اللغة يكون أسهل على المتعلّم وأيسر عندما تكون اللغة وظيفية تكاملية ، وعندما لا تكون مجزأة ، فأصغر وحدة وظيفية ذات معنى هي نصٌّ متكامل ضمن سياق لغوي اجتماعي يتلاءم مع خبرات المتعلّم .
· إذا كان تعلّم اللغة يتم بطريقة أفضل عندما يتعرّض لها المتعلّم بشكلها الكلي ، وفي سياق طبيعي ؛ فإن التكامل ( Integration ) هو أساس ومفتاح تعلّم اللغة .
· إنّ تعليم اللغة العربية في عصر العولمة والتفجّر المعرفي يستوجب تعليمها لتحقيق وظائفها الفكرية والاجتماعية ، على اعتبار العلاقة الوثيقة بين اللغة والتفكير ، وبين اللغة والمجتمع ، ومن هنا يكون تعليم اللغة تعليم للتفكير ، ومجال خصب لتدريب التلاميذ على مهارات الاستنتاج والتحليل والمقارنة والتمييز ، وإصدار الأحكام .
· إنّ تعليم اللغة يكون أكثر فاعلية إذا قام على أساس تناول مهارات اللغة على أنها وحدة متكاملة ، تؤدي دوراً وظيفياً في الحياة الفكرية والاجتماعية بدلاً من التركيز على الجانب النظري والمعرفي في معالجة اللغة .
ولكي تتحق الغايات النبيلة من تعليم اللغة العربية في مراحل التعليم العام ؛ فإن الآمال معقودة على المخططين اللغويين ، والقائمين على شؤون تعليمها في البلاد العربية والإسلامية ، تأصيل تعليمها ، وتوظيف معطيات علم اللغة ، وعلم النفس اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي عند بناء مناهج تعليم اللغة وتنفيذها وتقويمها وتطويرها .

إن تعليم اللغة العربية بحاجة ملحة إلى نظرية تعليمية لغوية ، مستمدة من فهم عميق لطبيعة اللغة نفسها ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ووظيفتها في المجتمع ، ودورها في التنمية الشاملة للمتعلمين : معرفياً ، ووجدانياً ، ومهارياً ، ونفسياً ، وفكرياً ، واجتماعياً ؛ بحيث تظهر نتائج تعليمها واضحة على الأداء اللغوي للمتعلمين ، الذي يبدو أنه يعاني من تصدعات مخيفة في البناء اللغوي ؛ تبرز جليّاً في تفكك التراكيب ، واضطرابها ، وانحرافها صرفياً ونحويا .



التطبيقات التربوية للمدخل التكاملي في تعليم اللغة العربية* :

يقتضي الأخذ بأفكار المُدْخل التكاملي منطلقاً في تعليم اللغة العربية مراعاة ما يلي :
· التحوّل من فكرة تعليم اللغة العربية على أنها فروع لغوية مستقلة لا طائل من ورائها سوى تفتيت الخبرة اللغوية ، إلى فكرة تكامل تعليم اللغة وتعليمها متكاملة وفقاً لطبيعتها المتكاملة ، ووفقاً لطبيعة تعلّمها وتعليمها .
· اتخاذ النص القرآني محوراً رئيساً في تعليم اللغة ؛ لأثره في زيادة الثروة اللغوية ، دون إغفال لنصوص من الحديث النبوي الشريف ، ومن تراث العرب قديمه وحديثه ، منظومه ومنثوره .
· اتخاذ النص اللغوي منطلقاً لتعليم اللغة في ضوء مهاراتها ، مما يحفظ للغة وحدتها وتكاملها ، والسير في ذلك على هدي المسلمين الأوائل في اختيار النص اللغوي الذي يكسب المتعلمين ثروة لغوية ، مع تنمية ذوق وتهذيب سلوك .
· تدريب التلاميذ من خلال دراسة النص على مهارات لغوية متكاملة ، تشمل الجوانب المعجمية ، والنحوية ، والبلاغية ، والنقدية ، والتعبيرية ، علاوة على المهارات القرائية ، ومهارات الكتابة ، ومهارات الاستماع والتحدّث ، وتنميتها لديهم .
· تكثيف الجهود داخل حجرة الصف الدراسي حول تحفز المتعلّم ليعبّر عن أفكاره باللغة ، فيناقش موضوعات قرائية تعايش معها عدة مرات ، أويحلل نصوصاً أدبية تحمل فكر الأمة وثقافتها وخبراتها ، أو يلخّص كتاباً ، أو يكتب تقريراً عن عمل قام به ، أو يعرض خبرة اكتسبها من النص .
· إعداد معلّم اللغة العربية إعداداً متكاملاً ، قبل الخدمة وأثناءها ؛ ليكون ذا قدرة أكاديمية تمكّنه من معالجة اللغة وحدة واحدة ، ومؤهلاً تربوياً على مستوى النظرية والتطبيق الميداني ، ومقتنعاً بجدوى التكامل اللغوي في تعليم اللغة تخطيطاً وتنفيذاً وتقويما .
· تدريب المشرف التربوي على تعليم اللغة العربية بشكل دوري ؛ ليكون على اطلاع بآخر المستجدات التربوية في تعليم اللغات وأحدث الاتجاهات في تعلّم اللغة وتعليمها ، ويتمكّن من نقل خبرته الجديدة إلى الميدان ؛ لإثراء المعلمين ، والرفع من أدائهم التدريسي .
· إلغاء فكرة الكتب التعليمية اللغوية المتعددة ، والاقتصار على كتاب واحد لكل صف دراسي ، تتنوّع فيه النصوص المقدّمة إلى المتعلمين ؛ بحيث تشمل نصوص انطلاق ، ونصوص دعمٍ وتعزيزٍ ، ونصوصاً إثرائيةً ، تُعالج من منظورات عديدة : استماعاً ، وقراءة ، وفهماً واستيعاباً ، واستنتاجاً وتحليلاً ، وتذوقاً ونقداً ، وتطبيقاً نحويّاً وإملائياً ، وتدريباً على التعبير الشفهي والكتابي ، فضلاً عما يدفع المتعلّم إلى اكتساب مهارات التعلّم الذاتي ، بتوجيهه إلى المعجمات والموسوعات ومصادر المعرفة الورقية والإلكترونية ، والاعتماد على نفسه في إثراء معارفه ، وتنمية مهاراته البحثية ، وتعليمه كيف يعلّم نفسه بنفسه .
· إلغاء فكرة الحصص المستقلة المخصصة لتعليم كل فرع من فروع اللغة ، وتوظيف الحصص المستمرة المتصلة المخصصة لتعليم اللغة ؛ لضمان معالجة النصوص معالجة متكاملة ، لا تنتهي بانتهاء الزمن المخصص للدرس ، بل تستمر المعالجة حتى يتمكّن المتعلّم من المهارات المستهدفة ، وفي هذا إدخال المتعلّم معترك العمل التعليمي في الوقت المخصص لتعليم اللغة مشاركاً في التخطيط ، والتنفيذ ، والتقويم ، وإثراء بيئة التعلّم بما من شأنه أن يرقى بالأداء اللغوي لديه ، ويفعّل دور اللغة في حياته .
· اعتماد طرق التدريس النشطة في مختلف المناشط اللغوية ؛ لتوجيه المتعلّم نحو أن يتعلّم كيف يتعلّم ، واعتباره محور العملية التعليمية ، وتبني طرق تدريس قائمة على حل المشكلات ، والتعلّم التعاوني ، والتعلّم البنائي ، والتعلّم النشط ، وتعليم التفكير وإكساب المتعلمين مهاراته ، والعصف الذهني ... كل ذلك لتحفيزه على تعلّم اللغة وتنميته فكرياً ووجدانيا ومهاريا .
· إدخال مبدأ التعلّم الذاتي في ميدان تعليم اللغة العربية ؛ لكونه أصبح من المسلمات في إطار التربية الحديثة عامة ، وتعليم اللغات خاصة ، وذلك استجابة طبيعية لطبيعة العصر الذي نعيشة ، عصر التفجّر المعرفي والانتشار الثقافي ، وما يقتضيانه من ضرورة ملاحقتهما ومواكبتهما من جهة ، ونظراً إلى أهمية الجهد الذاتي وما يقتضيه من تنقيب عن المعرفة ، وتدريب على استخدام مختلف مصادر التعلّم ؛ لكسب المعلومات والمهارات الضرورية لاستمرار التعلّم .
· توفير مصادر المعرفة التقنية ، وتدريب المتعلمين عليها ؛ لما لها من إثارة لاهتمامهم ، وجذباً لهم للإقبال على الدرس اللغوي ، وتدريب المعلمين على كيفية توظيفها في تعليم اللغة العربية .
· الانطلاق من الواقع اللغوي للمتعلمين ؛ بتحديد المهارات اللازمة لهم في كل مرحلة تعليمية ، بل وفي كل صف دراسي ، وجعلها محوراً للتدريب في مواقف تعليم اللغة العربية وفق المدخل التكاملي .
· توجيه تعليم اللغة العربية في المراحل الثلاث نحو سدّ حاجات المتعلمين اللغوية ؛ بتقديم المحتوى اللغوي الذي يلبي تلك الحاجات ، ويأخذ في الاعتبار بالمتغيرات الثقافية ، والحضارية ، وما يتطلّع إليه المجتمع من مشاركة أبنائه – حاضراً ومستقبلاً – في حل مشكلاته ، والارتقاء به إلى مصاف المجتمعات المتقدّمة .
· من المؤكّد أن المهارة اللغوية تتحقق بالاستخدام اللغوي الصحيح ، والأداء اللغوي الجيّد إرسالاً واستقبالاً ، ممارسة وتطبيقاً ، وأن هذا الأداء يمكن ملاحظته وقياسه من خلال ممارسة المتعلّم اللغة : استماعاً ، وتحدّثاً ، وقراءةً ، وكتابةً . ولذا فإن التركيز في تعليم اللغة العربية وفق المُدْخل التكاملي على الجانب المهاري ، ودعمه ، وتوجيه فعاليات التعليم نحوه ؛ يقود إلى مخرجات تعليمية قادرة على توظيف مهارات اللغة بشكل صحيح ، يحقق وظائفها في المجتمع .
· إنّ منهج تعليم اللغة يكون أكثر فاعلية إذا تناول مهارات اللغة على أنها وسائل لتحقيق غايات أرحب وأهم ، وعلى رأس قائمتها يأتي الاتصال ، ومن ثمّ فإن التركيز على هذه المهارات ، والنظر إليها نظرة متوازنة في برنامج تعليم اللغة يساعد على تنمية لغة المتعلّمين نموّاً متوازنا .
· يمكن لتعليم اللغة العربية أن يحقق أهدافه بشكل جيّد إذا اتجه التخطيط اللغوي نحو الأخذ بالاتجاه التكاملي في تعليم اللغة ، والتوجّه نحو تمهير تعليمها ، والنظر إلى اللغة على أنها مهارات أكثر منها محتوى ، فالتشابه بين التكامل والتمهير كبير جداً ، لا يمكن تجاهله ؛ حيث إن إحدى صور التكامل تتحقق في التكامل بين مهارات اللغة ، على مستوى النظرية والتطبيق ، الأمر الذي يعني أنه لايمكن أن يستقيم حال تعليم اللغة العربية بعيداً عن إدارته في ضوئهما .
· البرنامج التعليمي الذي يأخذ بالاتجاه التكاملي المهاري في تعليم اللغة يعمد إلى وضع المهارات اللغوية النوعية ، لكل مهارة لغوية من مهاراتها الأربع الرئيسة ، في مسلسلات هرمية متدرّجة ؛ لينطلق منها نحو تحديد أهداف تعليم اللغة في كل مرحلة تعليمية ، بل وفي كل صف دراسي ، وتضمينها المحتوى التعليمي اللغوي المقدّم للتلاميذ ، وتصميم التدريبات والمناشط اللغوية في ضوئها ؛ لأن تحديد المهارات اللغوية النوعية يساعد على وضوح الرؤية عند تأليف كتب تعليم اللغة ، كما يبصِّر المعلمين بالمهارات المستهدفة بالتدريب في كل مرحلة تعليمية ، وفي كل صف من صفوفها .
· تحديد المهارات المستهدفة تحديداً دقيقاً واضحاً ؛ للكشف عن الأهداف التعليمية التي تحققت ، وتلك التي لم تتحقق ، مما يساعد على توجيه تعليم اللغة نحو سدِّ الثغرات التي يكشف عنها تقويم البرنامج ، ليعاد النظر فيه بتطويره ، وتلافي جوانب القصور فيه ، ودعم جوانب القوة .


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .





مراجع ورقة العمل

(1) بادي ، غسان خالد ( 1406هـ ) . " تحديد معنى طريقة التدريس في إطار علمي متجدد " بحوث تربوية ونفسية ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، معهد اللغة العربية ، وحدة البحوث والمناهج ، ص ص 83 – 97 .
(2) حسان ، تمّام ( 1979م ) . اللغة العربية معناها ومبناها ، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب .
(3) سلام ، على عبد العظيم ( 1993م ) . أثر تكامل منهج اللغة العربية على الأداء اللغوي لتلاميذ الصف الأول الإعدادي ، رسالة دكتوراه ( غير منشورة ) ، الإسكندرية : جامعة الإسكندرية ، كلية التربية .
(4) سمك ، محمد صالح ( 1979م ) . فن التدريس للتربية اللغوية ، وانطباعاتها المسلكية وأنماطها ، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية .
(5) السويسي ، رضا ، وعبيد ، عبد اللطيف ( 1996م ) . طرائق وأساليب تدريس اللغة العربية في المرحلة الثانوية بالوطن العربي وسبل الارتقاء بها ، تونس : المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، إدارة التربية .
(6) عبد الحليم ، أحمد المهدي ( 2003م ) . أشتات مجتمعات في التربية والتنمية ، القاهرة : دار الفكر العربي .
(7) عثمان ، سيد أحمد ( 1986م ) . " التخطيط اللغوي وتعليم اللغة العربية " دراسات تربوية ، المجلد الأول ، الجزء الرابع ، القاهرة : عالم الكتب ، ص ص 19 – 24 .
(8) عوض ، أحمد عبده ( 2000م ) . مداخل تعليم اللغة العربية – دراسة مسحية نقدية ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، مركز البحوث التربوية والنفسية .
(9) لويس ، م .م ( 1959م ) . اللغة في المجتمع ، ترجمة : تمّام حسان ، القاهرة : دار إحياء الكتب العربية .
(10) مبارك ، فتحي يوسف ( 1988م ) . الأسلوب التكاملي في بناء المنهج – النظرية والتطبيق ، القاهرة : دار المعارف .
(11) مراد ، سعيد محمد ( 2002م ) . التكاملية في تعليم اللغة العربية ، الأردن – إربد : دار الأمل للنشر والتوزيع .
(12) المومني ، إبراهيم عبد الله ( 2001م ) . " منحى اللغة الكلي : الفلسفة والمبادئ والتضمينات التربوية " مجلة دراسات – العلوم التربوية ، المجلد 28 ، العدد الثاني ، ص ص 272- 285 .
(13) الناقة ، محمود كامل ( 1985م ) . تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، معهد اللغة العربية ، وحدة البحوث والمناهج .
(14) يونس ، فتحي علي ، والناقة ، محمود كامل ( 1977م ) . أساسيات تعليم اللغة العربية ، القاهرة : دار الثقافة .​
 

معيض أحمد الغامدي

::: المشرف العام :::

معلومات العضو

إنضم
23 سبتمبر 2007
المشاركات
1,314
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
جدة
الموقع الالكتروني
كل الشكر والتقدير أستاذة / أشواق
ورقة فيها من العمق والفكر ما يليق بدكتورنا الفاضل الدهماني
فله مني فائق التقدير والاحترام .
عالجت هذه الورقة كثيرا من قضايا اللغة وركزت على أهمها ( الوظائف ، والتمهير ) فنلحظ ترابطا عضويا بين الوظائف والمهارة ، فلا يمكن أبدا أن نمهر ( فعلا ) بعيدا عن الوظيفة ؛ أي ما علاقة هذه المهارة بحياة المتعلمين ؟ وحياة المتعلمين تحمل جوانبا ( فكرية ، واجتماعية ) وهذا مفهوم اللغة كما ورد عند ابن جني
آمل أن تصل هذه الورقة إلى كل من يحمل هم اللغة تلقيا وإنتاجا .
دمت .​
 

أشواق هاشم

مدربة مركزية

معلومات العضو

إنضم
20 مايو 2011
المشاركات
15
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
لك فائق تقديري استاذي الفاضل : كل مهتم باللغة يدرك أن الفكرة الكبرى لتعلم قواعدها هو التواصل اللغوي بشقيه وليس حفظ القواعد وتلقينها ولقد كان العرب يعلمون أطفالهم اللغة السليمة عن طريق النمذجة بأن يتواصل الطفل مع من سلمت لغتهم فيأخذها منهم بالمحاكاة فيستقيم لسانه وعندما قل الاهتمام باللغة وافتقدنا النموذج اعتمد في تدريسها على القواعد المكتوبة وفصل أدبها عن قواعدها فاختل البناء.
 

معيض أحمد الغامدي

::: المشرف العام :::

معلومات العضو

إنضم
23 سبتمبر 2007
المشاركات
1,314
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
جدة
الموقع الالكتروني
ما شاء الله تبارك الله
حقيقة أيتها الأخت الفاضلة وجدت في تعقيبك وعيا كبيرا بمفهوم اللغة أدى إلى تسلسل رائع ومنطقية عميقة في تقديم الأفكار , حيث تناولتِ مسألة في غاية الأهمية وهي الأفكار الكبرى, فكم هو مثمر ومفيد - إن وافقتيني الرأي - لو وظفنا هذه المسألة في التحضير لتدريس وحدة دراسية ما
فلو قام المعلم الكريم بتحليل المحتوى للوقوف على الأفكار الكبرى وبدأ العمل عليها كفكرة كبرى وقدمها للمتعلمين في إطار من الكلية لجاء تعلمها وفقا لطبيعتها وطبيعة العقل في إدراك الكليات أولا ثم تأتي التفاصيل لاحقا بصورة طبيعية.
هنا نستطيع أن نتغلب على مشكلة الزمن التي يشكو منها الكثير.
ضرورة أخرى طرحتيها وهي ( النمذجة ) وهي بمعنى آخر ( الانغماس ) في بيئة لغوية ذات علاقة وثيقة بالأفكار الكبرى الناتجة عن تحليل المحتوى حيث يقوم المعلم بتصميم مواقف وخبرات يستدعي إنجازها - بالضرورة - مهارات ومعارف خاصة من أجل تجاوز المشكل القائم وهذا هو تعريف الكفاية فهي ( مجموعة من المعارف والمهارات يحتاجها المتعلم لإنجاز عمل ما )
ومما سبق - إن صح - نستطيع أن نعرف التدريس بأنه فن الحيلة.
أختي الفاضلة أشكر لك هذا الطرح الذي يفتح آفاقا للحوار وهذا الإدراك الذي نراهن عليه.
دمت ودام عطاؤك
 

أشواق هاشم

مدربة مركزية

معلومات العضو

إنضم
20 مايو 2011
المشاركات
15
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
استاذي الفاضل لي شرف مرورك
لا شك أن لنا رسالة عظيمة تجاة لغتنا الحبيبة ففي ظل هذا التطوير والتغيير الذي شمل كافة جوانب العملية التعليمية تدريسا وتقييما يجب ان يواكب ذلك تغيير في تناول لغتنا الباقية . إننا الآن نعتمد في تعليمنا على التعلم النشط الذي يجعل من الطالب محور العملية التعليمية إننا ننتقل من التركيز على المعلم للتركيز على المتعلم وكيفية معالجته للمعلومة التي تلقاها إننا ننتقل من المعرفة إلى الفهم .
ولا شك أن هدف كل معلم ومعلمة أن يكون مايقدمه لتلاميده من الأفهام الباقية التي تظل مع المتعلم مدى الحياة
ولقد فشلت اختبارات الورقة والقلم في بقاء المعلومات في ذهن المتعلم إلا بعض القواعد المجردة .

لذا ,يظل التقويم المعتمد على الأداء وممارسة اللغة عاملا مهما في بقائها وتجاوزها حجرة الدراسة وإن اقتصر ذلك على الأفكار الكبرى بعد التغطية والكشف من قبل المعلم إن ممارسة اللغة في حجرة الصف والاصطفاف الصباحي وجميع الأنشطة الجاذبة والمحفزة يجعلها تتجاوز أسوار المدرسة وهذا ما نريده .
 
استقدام خادمات | مكتب ترجمة معتمد | تصميم تطبيقات الجوال | ارشفة مواقع | شركة تسويق | سعد العتيبي , | ترجمة علامة تجارية
التعليقات المنشورة ﻻ تعبر عن رأي منتدي لغتي وﻻ تتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر
أعلى