نشاط الاميرة نوف:
-
7
-
0
-
0
- الجن والتمر عندما ينفصم العقل عن الوحي والعلم
الجن والتمر: عندما ينفصم العقل عن الوحي والعلم
د. "معز الإسلام" عزت فارس [1]
تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي عبر موقع اليوتيوب مقطعًا مصورًا بعنوان: "لماذا يكره الجن التمر؟"، وكان ذلك قبل عامين تقريبًا، كنت أكتفي خلالها بالرد فرديًّا على السائلين عنه وعن صحة ما فيه، ولكن، مع انتشار ذلك المقطع انتشار النار في الهشيم حتى بلَغ مشاهدوه الملايين، بات لزامًا الرد عليه وتبيان موقف العلم منه؛ إذ احتوى المقطع على جملة من المغالطات والأخطاء العلمية والشرعية والمنهجية، أردت من خلال هذا المقال تبيانها وإيجازها في ما يلي:
أولًا: الأخطاء الشرعية:
1. فقد استند المقطع إلى حديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يحثُّ فيه على أكل التمر وترًا، وبالرجوع إلى أهل العلم والاختصاص في الحديث الشريف، تبيَّن أنه لم يصحَّ أو يثبت هذا القول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ ورد الحديث الشريف عمومًا في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((إن الله وتْرٌ يحبُّ الوتْرَ))، وقد وقفت على شرح مطوَّل للحديث لم يتطرَّق البتَّةَ إلى ذكر التمر، وإنما كان مدار الحديث حول العبادات من صلاة المغرب وصلاة الوتر وأشواط الطواف والسعي السبع، وغيرها من مظاهر الفردية في الخَلق، كخلق السموات السبع والأرضين السبع، وقد صحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان لا يغدو للصلاة يوم عيد الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهنَّ وترًا"، وعندما سُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن صحة القول بوجوب وسنيَّة أكل التمر وترًا، أجاب: "ليس بواجب؛ بل ولا سنَّة أن يُفطر الإنسان على وتر ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع، إلا يوم العيد عيد الفطر؛ فقد ثبت أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان لا يغدو للصلاة يوم عيد الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهنَّ وِترًا"، وما سوى ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتقصَّد أن يكون أكله التمر وترًا"(برنامج نور على الدرب / 354)؛ وقال رحمه الله تعالى في مجموع فتاويه ورسائله في صلاة العيد: "وهل كلما أكل الإنسان تمرًا في غير هذه المناسبة - يقصد سنَّة عيد الفطر - يقطعها على وتر؟ نقول: لا، وهل الإنسان يقطع كل شيء على وتر؟ فإذا أكل نقول له: اقطع ثلاث لقمات، فهذا غير مشروع، وعندما يحب أن يزيد من الطيب فيقول: أوتر، ولكن هذا لا أصل له. فأنا لا أعلم أن الإنسان مطلوب منه أن يوتر في مثل هذه الأمور" انتهى، وهذا أول مأخذ يدحض الأساس الذي قام عليه ذلك المقطع، وبُني عليه القول بوجود إعجاز علمي في حديث أكل التمر وترًا، والذي لم يصحَّ نصًّا أو نقلًا.
2. إن الحديث الصحيح الوارد في تعداد حبّات التمر والوقاية من السم والسحر هو الحديث المتعلق بتمر العجوة، والذي نصَّ على تناول سبع تمرات من تمر عجوة العالية المشهورة والمخصوصة بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم؛ حيث ورد في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضرَّه سمٌّ ولا سحر))، وفي رواية: "مَن تصبَّح سبع تمرات عجوة، لم يضرَّه ذلك اليوم سم ولا سحر))، أما المقطع المصوَّر فقد عمَّم تناول عددٍ وترٍ من التمر أو البلح من واحد أو ثلاث أو خمس، وليس سبعًا فقط من تمر العجوة كما نص الحديث الشريف. ومع أن الخلاف قائم بين العلماء حول أفضلية تمر العجوة وهل ينسحب القول الشريف على سائر أنواع التمر أم تمر المدينة النبوية دون غيره (انظر مقال عجوة المدينة غذاء وشفاء ووفاء على شبكة الألوكة)، إلا أن مدار الحديث هنا حول بناء فكرة الإعجاز العلمي المغلوطة على أكل التمر وتراً، وهو ما سنبينه لاحقاً.
3. ولعلَّ ما هو أخطر مما سبق وهو ما يمسُّ عقيدة المسلم؛ إذ العلم بالجن والشياطين هو مما اختص الله جل جلاله به نفسَه في علم الغيب، وأخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالملائكة والجن والشياطين هو جزء من الإيمان بالغيب، وليس لمخلوق أن يدَّعي علمًا بها، وهي مخلوقات خارجة عن قوانين المادة ونواميس الطبيعة المادية التي خلق الله جل جلاله الإنسان والكون عليها، وقد نص القرآن الكريم على استحالة قدرة الإنسان على رؤية الجن على حقيقتهم التي خلقهم الله جل جلاله عليها؛ فقال جَلَّ مِن قائل: ? إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ? [الأعراف: 27] (انظر سلسلة العقيدة في الله: كتاب عالم الجن والشياطين، لفضيلة العلامة د. عمر الأشقر رحمه الله)، وبالتالي فإن الادِّعاء بوجود هالة كهرومغناطيسية أو طيفية ذات لون مميَّز تخصُّ الجن هو ضرب من ادعاء الغيب، وإتيانٌ بما لم يأتِ به الوحي من القرآن الكريم ولا سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما لا يمكن قبوله عقلًا ولا منطقًا، فكيف أمكن لأحد معرفة هذا الأمر، إن صح وجوده أصلًا، وكيف أخضعه الباحثون - على حدِّ زعمهم - للاختبار والفحص والقياس، فطالما أنه تمَّ ادعاء كراهية الجن للهالة المقابلة في اللون وعدم قدرته على اختراقها، فهذا نوع مِن المشاهدة والمراقبة والتجريب العلمي، وهو ما يعني إخضاع الجن لتلك القوانين المادية، وإذا صحَّ وجود الهالة الكهرومغناطيسية للجن فهذا يعني ضمنًا أن الإنسان قادر على مشاهَدة الجن مِن خلال وجود مناظير خاصة بالأشعة الكهرومغناطيسية، وهو ما يتعارَض مع نص الآية الكريمة التي نصَّت على استحالة رؤية الجن، وهو ما لم يدَّعِه كذلك أحد من البشر.
4. إن الادعاء بأن السحر والعين والحسد أو الجن تولِّد هالة كهرومغناطيسية أو طيفية حول الإنسان، وأن الجن لا يستطيع اختراق تلك الهالة الزرقاء المدَّعاة، وأن الشحنة الموجبة تَجلب الجن؛ كلها أمور أخرى تتعارض مع مبدأ الإيمان بالغيب، فضلًا عن انعدام الدليل العلمي عليها لاستحالة اختبارها، فتلك الأدواء الروحية وغير المادية أو المحسوسة (العين والحسد ومس الجن، إن سلَّمنا بصحة وجود الأخير) لا تخضع لقوانين البحث والتجريب، ولا يمكن للإنسان قياسها أو اختبارها، ونحن المسلمين- نعتمد في كل ما يتعلق بها على الوحي من الله جل جلاله؛ لأنها من علم الغيب، وهو ما لم يَرِد منه شيء يتعلق به في الكتاب الكريم ولا السنة المطهرة كما أسلفنا، كما أنَّ الادِّعاء بأنَّ الجن لا تستطيع اختراق تلك الهالة المزعومة يتعارَض كذلك مع قدرات الجن الخارقة لقوانين الطبيعة ونواميسها التي عرفها الإنسان، والتي أثبتها القرآن الكريم للجن؛ حيث أشار ربنا تبارك وتعالى إلى ذلك جليًّا في سورة النمل، عندما تعهَّد الجني بإحضار عرش ملكة اليمن ونقله إلى بيت المقدس في فلسطين خلال وقت قصير جدًّا لا يتعدى وقت قيام رجل من مقامه؛ ? قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ? [النمل: 39]، ونقض تلك القدرة الخارقة نقض لحقيقة قرآنية ولا يُمكن إثباته عقلًا ولا علمًا.
ثانيًا: الأخطاء العلميَّة:
1- إنَّ القول بأن التمر يولِّد هالة كهرومغناطيسية أو طيفية زرقاء أمر يحتاج إلى إثبات ودليل، بل أدلة، هذا مع التسليم بوجود تلك الهالة الكهرومغناطيسية الطيفية للإنسان، ومن خلال البحث والتنقيب عبر مواقع البحث العلمي لم أقف على أي دراسة علمية تتعلق بهذا الأمر مطلقًا، وبإمكان القارئ التحقُّق من خلال استعمال الكلمات المفتاحية التالية في محرِّك البحث العلمي جوجل سكولر GoogleScholar وغيره من محركات البحث العلمي المعتمدة: Palm dates or Phoenix dactylifera and electromagnetic aura.
2- القول بأن الفوسفور هو السر في القدرة الخارقة المزعومة للتمر على منع اقتراب الجن من الهالة الزرقاء المزعومة لآكل التمر مَدعاة للاستغراب، ولا أقول السخرية، فلو صحَّ هذا الأمر لكانت الأغذية الأخرى الأكثر احتواءً على الفوسفور أدعى لأن تكون واقية من الجن والسحر والشياطين على حدِّ زعمهم، فالتمر ليس من ضمن الأطعمة العشرة الأولى الأكثر محتوى بالفوسفور، فبذور القرع، والجبن، والسمك، والقشريات البحرية، والمكسرات، واللحوم الحمراء، وفول الصويا ومنتجاته، والبقوليات كالحمص والعدس والفول، كلها أكثر محتوى للفوسفور منه؛ ففي حين يبلغ متوسط محتوى التمر من الفوسفور 62 ملغم / 100 غم من التمر، فإن محتوى تلك الأطعمة المذكورة يتراوح ما بين 180 - 1233 ملغم / 100 غم من وزن المادة الغذائية، أي حوالي ثلاثة أضعاف إلى عشرين ضعف كمية الفوسفور في التمر تقريبًا.
3- القول بأن الدراسات أثبتت أن للفوسفور "إشعاعات تألقية فوسفورية" غريب جِدُّ غريب، فالفوسفور الغذائي ليس مشعًّا، وليس له أي طيف تألُّقي إشعاعي، وإن كان المقصود بتلك الإشعاعات هي الأشعة المنبعثة من نظائر الفوسفور المشع Radioactive Isotopes، فهذا أمر آخر، فهنالك نظيرٌ مشعٌّ للفوسفور هو النظير 32، وهو النظير الأكثر توفرًا في الطبيعة، وهو المستعمل في الأبحاث والدراسات العلمية الطبية والزراعية وغيرها، وهو نظير سريع التحلل، وتوجد منه كميات قليلة على سطح الأرض؛ نظرًا لقصر عمره المتوسط؛ حيث يضمحلُّ سريعًا، وهو غير موجود قطعًا في التمر.
ثالثًا: الأخطاء المنهجية:
1. لقد جاء الإسلام كي يحرِّر عقل الإنسان من الخرافة والأسطورة، ولكي يبني تصورًا سليمًا تجاه الكون والعوالم الأخرى المحيطة به، المحسوسة منها وغير المحسوسة؛ كعوالم الملائكة والجن والشياطين، وفي هذا المقطع نجد استحضارًا واستجلابًا لمفاهيم مغلوطة وتصورات خاطئة حول الجن، ولكنها هذه المرة موشحة بوشاح العلم وموسومة بوسم حضاري حديث شعاره العلم والبحث التجريبي، ونرى هذا جليًّا من خلال ذكر جملة من المعلومات التي توحي للسامع بأنها مسلَّمات وحقائق، وهي إلى الزيف والبهتان والافتراء أقرب منها إلى الحقيقة.
2. لقد أرسى القرآن الكريم دعائم للتفكير الموضوعي، وأسَّس قواعد للتفكير المنهجي، كان قوامها طلب استحضار الدليل عند الادعاء؛ ? قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [النمل: 64]، كما أرسى القرآن الكريم قاعدة راسخة مثَّلت المنطلق للمنهج العلمي الحديث الذي قامت عليه الحضارة المادية المعاصرة؛ وهو عدم ادعاء العلم بغير دليل، والاعتماد على وسائل الحس وأدوات المعرفة والإدراك في الحكم على الأشياء؛ ? وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ? [الإسراء: 36]، وبالنظر إلى ذلك المقطع المذكور نجده لم يتطرَّق إلى ذكر أي مستند علمي يبرهن صحة القول، ويثبت صدق الادِّعاء، ونعني بذلك ذكر الأبحاث والدراسات العلمية الرصينة المحكمة التي "حيَّرت العلماء"، وهو الأمر الذي يتأتَّى من خلال عرض عنوان البحث العلمي المحكم والمنشور في الدوريات العلمية المحكمة الرصينة، التي يمكن البناء على مخرجاتها ونتائجها، وكذا أسماء الباحثين وأماكن عملهم.
3. انتهاج أسلوب الاعتماد على الكلمات الرنانة والعبارات المؤثرة مثل: "تُبيِّن الأبحاث"، و"أثبتت الدراسات"، و"وضعت العلماء في حيرة كبيرة"... في ظل عدم ذكر أي دليل علمي يبرهن صحة الادعاء - دليل إفلاس علمي وحضاري، وعلامة على افتقار مُنشئ المقطع إلى قواعد التفكير المنطقي والعقلاني المعتمِد على الدليل العلمي الرصين.
شامل إسلاميات أدعية تغذية فوائد حواء العناية بالجسم معاني الأسماء العناية بالبشرة العناية بالشعر رجيم منوعات ترددات كيف حكم وأقوال حكم عن الحب عبارات الصباح أدبيات فن الكتابة أشعار الافضل صور رسائل طبخ أطباق رئيسية توقعات الابراج 2017 مجتمع شخصيات إنترنت فيس بوك تويتر انستقرام سناب شات نكت تعليم اذاعة مدرسية تعبير تفسير الاحلام الحياة الزوجية ديكورات فن كلمات الاغاني مسلسلات رمضان 2017 قصص قصص اطفال قصص دينية فاتورة التليفون يلا شوت Yalla Shoot نظام نور موقع قياس نتائج القدرات اسماء بنات تقنية مواقع التواصل الاجتماعي واتس اب اقتباسات اقوال امثال حكم خواطر عبارات الحمل والولادة دول السعودية الكويت حلويات سلطات مشروبات معجنات معلومات عامة
4. تعليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم المتعلق بأكل التمر وتراً - إن صح - (من خلال استعمال كلمة "لماذا" السببية) وربطه بعلة الهالة الكهرومغناطيسية، أمر خاطئ وغير صحيح شرعاً. إذ من الخطأ تعليل حكم شرعي بأسباب مادية قد تحتمل الصواب أو الخطأ، وإنما نبحث في الحكم والفوائد والثمرات المجتباة من ورائها، مع التأكيد على أهمية العلل في الأحكام الشرعية عموماً. كما أنه ينبغي التفريق بين أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ذات الصفة البشرية والتي تخضع للعرف والعادة وطبيعة البيئة، كما في بعض أفعال اللباس والأكل والشرب والتداوي، وبين أفعاله صلى الله عليه وسلم كنبي مرسل ومشرع للأمة، كما ذكر علماء الأصول (أنظر البحث القيم للشيخ العلامة محمد الأشقر-رحمه الله تعالى-: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية).
5. لقد مثل المقطع المذكور نموذجًا صارخًا على المنهج الخاطئ المتمثل بالتكلف في إبراز وجوه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهَّرة، والعمد إلى ليِّ أعناق النصوص الشرعية لتلبية مأرب دنيوي، أو حتى ديني، فالإعجاز العلمي هو وجه من وجوه التدليل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ودليل على أن القرآن الكريم من عند الله جل جلاله، ويتمثل الإعجاز العلمي في مقابلة حقيقة علمية راسخة لا تحتمل النقض ولا التغيير (وليس فرضية أو نظرية أو مشاهدة)، مقابلتها بنص شرعي صحيح قطعي الثبوت والدِلالة، ولهذا قال العلماء باستحالة تعارض العقل مع النقل، واستحالة تضارب النص الصحيح (أي: القرآن والسنة) بالعقل الصريح (أي: مسلمات العلم وحقائقه)، ولهذا فإننا نجد أمثلة صريحة جلية كوضوح الشمس في رابعة النهار تدلِّل على إعجاز القرآن الكريم، كما في خلق الإنسان وتكوين الجبال وغيرها مما ذكره العلماء المختصون في الإعجاز العلمي، وذكره القرآن الكريم وصحيح السنة بكل وضوح.
د. "معز الإسلام" عزت فارس [1]
تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي عبر موقع اليوتيوب مقطعًا مصورًا بعنوان: "لماذا يكره الجن التمر؟"، وكان ذلك قبل عامين تقريبًا، كنت أكتفي خلالها بالرد فرديًّا على السائلين عنه وعن صحة ما فيه، ولكن، مع انتشار ذلك المقطع انتشار النار في الهشيم حتى بلَغ مشاهدوه الملايين، بات لزامًا الرد عليه وتبيان موقف العلم منه؛ إذ احتوى المقطع على جملة من المغالطات والأخطاء العلمية والشرعية والمنهجية، أردت من خلال هذا المقال تبيانها وإيجازها في ما يلي:
أولًا: الأخطاء الشرعية:
1. فقد استند المقطع إلى حديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يحثُّ فيه على أكل التمر وترًا، وبالرجوع إلى أهل العلم والاختصاص في الحديث الشريف، تبيَّن أنه لم يصحَّ أو يثبت هذا القول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ ورد الحديث الشريف عمومًا في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((إن الله وتْرٌ يحبُّ الوتْرَ))، وقد وقفت على شرح مطوَّل للحديث لم يتطرَّق البتَّةَ إلى ذكر التمر، وإنما كان مدار الحديث حول العبادات من صلاة المغرب وصلاة الوتر وأشواط الطواف والسعي السبع، وغيرها من مظاهر الفردية في الخَلق، كخلق السموات السبع والأرضين السبع، وقد صحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان لا يغدو للصلاة يوم عيد الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهنَّ وترًا"، وعندما سُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن صحة القول بوجوب وسنيَّة أكل التمر وترًا، أجاب: "ليس بواجب؛ بل ولا سنَّة أن يُفطر الإنسان على وتر ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع، إلا يوم العيد عيد الفطر؛ فقد ثبت أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان لا يغدو للصلاة يوم عيد الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهنَّ وِترًا"، وما سوى ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتقصَّد أن يكون أكله التمر وترًا"(برنامج نور على الدرب / 354)؛ وقال رحمه الله تعالى في مجموع فتاويه ورسائله في صلاة العيد: "وهل كلما أكل الإنسان تمرًا في غير هذه المناسبة - يقصد سنَّة عيد الفطر - يقطعها على وتر؟ نقول: لا، وهل الإنسان يقطع كل شيء على وتر؟ فإذا أكل نقول له: اقطع ثلاث لقمات، فهذا غير مشروع، وعندما يحب أن يزيد من الطيب فيقول: أوتر، ولكن هذا لا أصل له. فأنا لا أعلم أن الإنسان مطلوب منه أن يوتر في مثل هذه الأمور" انتهى، وهذا أول مأخذ يدحض الأساس الذي قام عليه ذلك المقطع، وبُني عليه القول بوجود إعجاز علمي في حديث أكل التمر وترًا، والذي لم يصحَّ نصًّا أو نقلًا.
2. إن الحديث الصحيح الوارد في تعداد حبّات التمر والوقاية من السم والسحر هو الحديث المتعلق بتمر العجوة، والذي نصَّ على تناول سبع تمرات من تمر عجوة العالية المشهورة والمخصوصة بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم؛ حيث ورد في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضرَّه سمٌّ ولا سحر))، وفي رواية: "مَن تصبَّح سبع تمرات عجوة، لم يضرَّه ذلك اليوم سم ولا سحر))، أما المقطع المصوَّر فقد عمَّم تناول عددٍ وترٍ من التمر أو البلح من واحد أو ثلاث أو خمس، وليس سبعًا فقط من تمر العجوة كما نص الحديث الشريف. ومع أن الخلاف قائم بين العلماء حول أفضلية تمر العجوة وهل ينسحب القول الشريف على سائر أنواع التمر أم تمر المدينة النبوية دون غيره (انظر مقال عجوة المدينة غذاء وشفاء ووفاء على شبكة الألوكة)، إلا أن مدار الحديث هنا حول بناء فكرة الإعجاز العلمي المغلوطة على أكل التمر وتراً، وهو ما سنبينه لاحقاً.
3. ولعلَّ ما هو أخطر مما سبق وهو ما يمسُّ عقيدة المسلم؛ إذ العلم بالجن والشياطين هو مما اختص الله جل جلاله به نفسَه في علم الغيب، وأخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالملائكة والجن والشياطين هو جزء من الإيمان بالغيب، وليس لمخلوق أن يدَّعي علمًا بها، وهي مخلوقات خارجة عن قوانين المادة ونواميس الطبيعة المادية التي خلق الله جل جلاله الإنسان والكون عليها، وقد نص القرآن الكريم على استحالة قدرة الإنسان على رؤية الجن على حقيقتهم التي خلقهم الله جل جلاله عليها؛ فقال جَلَّ مِن قائل: ? إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ? [الأعراف: 27] (انظر سلسلة العقيدة في الله: كتاب عالم الجن والشياطين، لفضيلة العلامة د. عمر الأشقر رحمه الله)، وبالتالي فإن الادِّعاء بوجود هالة كهرومغناطيسية أو طيفية ذات لون مميَّز تخصُّ الجن هو ضرب من ادعاء الغيب، وإتيانٌ بما لم يأتِ به الوحي من القرآن الكريم ولا سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما لا يمكن قبوله عقلًا ولا منطقًا، فكيف أمكن لأحد معرفة هذا الأمر، إن صح وجوده أصلًا، وكيف أخضعه الباحثون - على حدِّ زعمهم - للاختبار والفحص والقياس، فطالما أنه تمَّ ادعاء كراهية الجن للهالة المقابلة في اللون وعدم قدرته على اختراقها، فهذا نوع مِن المشاهدة والمراقبة والتجريب العلمي، وهو ما يعني إخضاع الجن لتلك القوانين المادية، وإذا صحَّ وجود الهالة الكهرومغناطيسية للجن فهذا يعني ضمنًا أن الإنسان قادر على مشاهَدة الجن مِن خلال وجود مناظير خاصة بالأشعة الكهرومغناطيسية، وهو ما يتعارَض مع نص الآية الكريمة التي نصَّت على استحالة رؤية الجن، وهو ما لم يدَّعِه كذلك أحد من البشر.
4. إن الادعاء بأن السحر والعين والحسد أو الجن تولِّد هالة كهرومغناطيسية أو طيفية حول الإنسان، وأن الجن لا يستطيع اختراق تلك الهالة الزرقاء المدَّعاة، وأن الشحنة الموجبة تَجلب الجن؛ كلها أمور أخرى تتعارض مع مبدأ الإيمان بالغيب، فضلًا عن انعدام الدليل العلمي عليها لاستحالة اختبارها، فتلك الأدواء الروحية وغير المادية أو المحسوسة (العين والحسد ومس الجن، إن سلَّمنا بصحة وجود الأخير) لا تخضع لقوانين البحث والتجريب، ولا يمكن للإنسان قياسها أو اختبارها، ونحن المسلمين- نعتمد في كل ما يتعلق بها على الوحي من الله جل جلاله؛ لأنها من علم الغيب، وهو ما لم يَرِد منه شيء يتعلق به في الكتاب الكريم ولا السنة المطهرة كما أسلفنا، كما أنَّ الادِّعاء بأنَّ الجن لا تستطيع اختراق تلك الهالة المزعومة يتعارَض كذلك مع قدرات الجن الخارقة لقوانين الطبيعة ونواميسها التي عرفها الإنسان، والتي أثبتها القرآن الكريم للجن؛ حيث أشار ربنا تبارك وتعالى إلى ذلك جليًّا في سورة النمل، عندما تعهَّد الجني بإحضار عرش ملكة اليمن ونقله إلى بيت المقدس في فلسطين خلال وقت قصير جدًّا لا يتعدى وقت قيام رجل من مقامه؛ ? قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ? [النمل: 39]، ونقض تلك القدرة الخارقة نقض لحقيقة قرآنية ولا يُمكن إثباته عقلًا ولا علمًا.
ثانيًا: الأخطاء العلميَّة:
1- إنَّ القول بأن التمر يولِّد هالة كهرومغناطيسية أو طيفية زرقاء أمر يحتاج إلى إثبات ودليل، بل أدلة، هذا مع التسليم بوجود تلك الهالة الكهرومغناطيسية الطيفية للإنسان، ومن خلال البحث والتنقيب عبر مواقع البحث العلمي لم أقف على أي دراسة علمية تتعلق بهذا الأمر مطلقًا، وبإمكان القارئ التحقُّق من خلال استعمال الكلمات المفتاحية التالية في محرِّك البحث العلمي جوجل سكولر GoogleScholar وغيره من محركات البحث العلمي المعتمدة: Palm dates or Phoenix dactylifera and electromagnetic aura.
2- القول بأن الفوسفور هو السر في القدرة الخارقة المزعومة للتمر على منع اقتراب الجن من الهالة الزرقاء المزعومة لآكل التمر مَدعاة للاستغراب، ولا أقول السخرية، فلو صحَّ هذا الأمر لكانت الأغذية الأخرى الأكثر احتواءً على الفوسفور أدعى لأن تكون واقية من الجن والسحر والشياطين على حدِّ زعمهم، فالتمر ليس من ضمن الأطعمة العشرة الأولى الأكثر محتوى بالفوسفور، فبذور القرع، والجبن، والسمك، والقشريات البحرية، والمكسرات، واللحوم الحمراء، وفول الصويا ومنتجاته، والبقوليات كالحمص والعدس والفول، كلها أكثر محتوى للفوسفور منه؛ ففي حين يبلغ متوسط محتوى التمر من الفوسفور 62 ملغم / 100 غم من التمر، فإن محتوى تلك الأطعمة المذكورة يتراوح ما بين 180 - 1233 ملغم / 100 غم من وزن المادة الغذائية، أي حوالي ثلاثة أضعاف إلى عشرين ضعف كمية الفوسفور في التمر تقريبًا.
3- القول بأن الدراسات أثبتت أن للفوسفور "إشعاعات تألقية فوسفورية" غريب جِدُّ غريب، فالفوسفور الغذائي ليس مشعًّا، وليس له أي طيف تألُّقي إشعاعي، وإن كان المقصود بتلك الإشعاعات هي الأشعة المنبعثة من نظائر الفوسفور المشع Radioactive Isotopes، فهذا أمر آخر، فهنالك نظيرٌ مشعٌّ للفوسفور هو النظير 32، وهو النظير الأكثر توفرًا في الطبيعة، وهو المستعمل في الأبحاث والدراسات العلمية الطبية والزراعية وغيرها، وهو نظير سريع التحلل، وتوجد منه كميات قليلة على سطح الأرض؛ نظرًا لقصر عمره المتوسط؛ حيث يضمحلُّ سريعًا، وهو غير موجود قطعًا في التمر.
ثالثًا: الأخطاء المنهجية:
1. لقد جاء الإسلام كي يحرِّر عقل الإنسان من الخرافة والأسطورة، ولكي يبني تصورًا سليمًا تجاه الكون والعوالم الأخرى المحيطة به، المحسوسة منها وغير المحسوسة؛ كعوالم الملائكة والجن والشياطين، وفي هذا المقطع نجد استحضارًا واستجلابًا لمفاهيم مغلوطة وتصورات خاطئة حول الجن، ولكنها هذه المرة موشحة بوشاح العلم وموسومة بوسم حضاري حديث شعاره العلم والبحث التجريبي، ونرى هذا جليًّا من خلال ذكر جملة من المعلومات التي توحي للسامع بأنها مسلَّمات وحقائق، وهي إلى الزيف والبهتان والافتراء أقرب منها إلى الحقيقة.
2. لقد أرسى القرآن الكريم دعائم للتفكير الموضوعي، وأسَّس قواعد للتفكير المنهجي، كان قوامها طلب استحضار الدليل عند الادعاء؛ ? قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [النمل: 64]، كما أرسى القرآن الكريم قاعدة راسخة مثَّلت المنطلق للمنهج العلمي الحديث الذي قامت عليه الحضارة المادية المعاصرة؛ وهو عدم ادعاء العلم بغير دليل، والاعتماد على وسائل الحس وأدوات المعرفة والإدراك في الحكم على الأشياء؛ ? وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ? [الإسراء: 36]، وبالنظر إلى ذلك المقطع المذكور نجده لم يتطرَّق إلى ذكر أي مستند علمي يبرهن صحة القول، ويثبت صدق الادِّعاء، ونعني بذلك ذكر الأبحاث والدراسات العلمية الرصينة المحكمة التي "حيَّرت العلماء"، وهو الأمر الذي يتأتَّى من خلال عرض عنوان البحث العلمي المحكم والمنشور في الدوريات العلمية المحكمة الرصينة، التي يمكن البناء على مخرجاتها ونتائجها، وكذا أسماء الباحثين وأماكن عملهم.
3. انتهاج أسلوب الاعتماد على الكلمات الرنانة والعبارات المؤثرة مثل: "تُبيِّن الأبحاث"، و"أثبتت الدراسات"، و"وضعت العلماء في حيرة كبيرة"... في ظل عدم ذكر أي دليل علمي يبرهن صحة الادعاء - دليل إفلاس علمي وحضاري، وعلامة على افتقار مُنشئ المقطع إلى قواعد التفكير المنطقي والعقلاني المعتمِد على الدليل العلمي الرصين.
شامل إسلاميات أدعية تغذية فوائد حواء العناية بالجسم معاني الأسماء العناية بالبشرة العناية بالشعر رجيم منوعات ترددات كيف حكم وأقوال حكم عن الحب عبارات الصباح أدبيات فن الكتابة أشعار الافضل صور رسائل طبخ أطباق رئيسية توقعات الابراج 2017 مجتمع شخصيات إنترنت فيس بوك تويتر انستقرام سناب شات نكت تعليم اذاعة مدرسية تعبير تفسير الاحلام الحياة الزوجية ديكورات فن كلمات الاغاني مسلسلات رمضان 2017 قصص قصص اطفال قصص دينية فاتورة التليفون يلا شوت Yalla Shoot نظام نور موقع قياس نتائج القدرات اسماء بنات تقنية مواقع التواصل الاجتماعي واتس اب اقتباسات اقوال امثال حكم خواطر عبارات الحمل والولادة دول السعودية الكويت حلويات سلطات مشروبات معجنات معلومات عامة
4. تعليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم المتعلق بأكل التمر وتراً - إن صح - (من خلال استعمال كلمة "لماذا" السببية) وربطه بعلة الهالة الكهرومغناطيسية، أمر خاطئ وغير صحيح شرعاً. إذ من الخطأ تعليل حكم شرعي بأسباب مادية قد تحتمل الصواب أو الخطأ، وإنما نبحث في الحكم والفوائد والثمرات المجتباة من ورائها، مع التأكيد على أهمية العلل في الأحكام الشرعية عموماً. كما أنه ينبغي التفريق بين أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ذات الصفة البشرية والتي تخضع للعرف والعادة وطبيعة البيئة، كما في بعض أفعال اللباس والأكل والشرب والتداوي، وبين أفعاله صلى الله عليه وسلم كنبي مرسل ومشرع للأمة، كما ذكر علماء الأصول (أنظر البحث القيم للشيخ العلامة محمد الأشقر-رحمه الله تعالى-: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية).
5. لقد مثل المقطع المذكور نموذجًا صارخًا على المنهج الخاطئ المتمثل بالتكلف في إبراز وجوه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهَّرة، والعمد إلى ليِّ أعناق النصوص الشرعية لتلبية مأرب دنيوي، أو حتى ديني، فالإعجاز العلمي هو وجه من وجوه التدليل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ودليل على أن القرآن الكريم من عند الله جل جلاله، ويتمثل الإعجاز العلمي في مقابلة حقيقة علمية راسخة لا تحتمل النقض ولا التغيير (وليس فرضية أو نظرية أو مشاهدة)، مقابلتها بنص شرعي صحيح قطعي الثبوت والدِلالة، ولهذا قال العلماء باستحالة تعارض العقل مع النقل، واستحالة تضارب النص الصحيح (أي: القرآن والسنة) بالعقل الصريح (أي: مسلمات العلم وحقائقه)، ولهذا فإننا نجد أمثلة صريحة جلية كوضوح الشمس في رابعة النهار تدلِّل على إعجاز القرآن الكريم، كما في خلق الإنسان وتكوين الجبال وغيرها مما ذكره العلماء المختصون في الإعجاز العلمي، وذكره القرآن الكريم وصحيح السنة بكل وضوح.