يبدأ الشاعر مطلع القصيدة مبينًا مشاعره التي تملأ كيانه وتأخذ بأحساسيه معبرًا عنها بأن كلماته الهامسة بالمناجاة رقيقة كالهلام الشفاف لبالغ ذوبانه في هذه الروحانية الغامرة وفوق ذلك فإنه لا يرى أنه أهل للكلام في هذا المقام العظيم فالهيبة تملأ قلبه فيضيع كلامه ولا يستقيم .
ثم يبين أسباب هذا الإحساس البالغ ومنها أنه أمام الكعبة التي يتوجه إليها المسلمون من كل مكان ومنها صريح إجلاله لهذا البيت إجلالا عظيما فوق التعبير ثم أضعف الشاعر البيت حين حشا هذه الجملة لإكماله بقوله " والجليل له احترام " فهي جملة معناها تحصيل حاصل لأن معنى الإجلال داخل فيه الاحترام بل ما فوق الاحترام وهو التعظيم .
ومن أسباب تلك المشاعر خصوصية الأمن التي له وقارن بشكل جميل بين أمانه والخوف من حوله في سائر العالم وختم البيت مؤكدا مشاعره وإجلاله بسؤال يفيد التعظيم مضيفا كلمة بلد إلى نفسه اعتزازا بانتمائه إليه .
ومن الأسباب أن وجه هذا البلد ـ ويقصد بذلك الكعبة لأنها أجل ما في مكة بل ما في العالم كما أن أكرم ما في الإنسان وجهه ـ من ينظر إليه تملؤه مشاعر السرور والطمأنينة والتفاؤل والفوز والانتصار .. ومن الأسباب وجود مكانين عظيمين بئر زمزم ومقام إبراهيم عليه السلام .
ومنها صوت أذانه المميز الذي يصدح في أرجاء العالم وصوت تلاوة القرآن فيه جنباته يعلو بجمال وروعة تبعث الحمام على أن يردد هديله تأثرًا بجمال هذه الأصوات (وهذا تعبير بالغ الجمال عن الأصوات السماوية التي تعلو في أرجاء البيت الحرام )
ومنها قدوم الحجيج من كل فج إليه ووصف الفجاج التي قدموا منها بالبياض تعبيرا عن القلوب القادمة التي صفت وطهرت ولبست فهو بياض باطن وظاهر ويضيف واصفا الجموع بأنها حين أقامت في هذه الربوع تأثرت بروحانته وجلاله فاستقام سلوكها أكثر فأكثر فوق ذلك النقاء الذي لبسته وهي قادمة .
ويعود إلى ذكر زمزم واصفا إياه بأنه نهر الخير وأنه نهر يجري خيره حيث ارتوى منه من ارتوى وهو سرّ تزاحم الناس حوله لينهلوامنه ويتضلعوا .
ثم يؤكد مشاعره المحبة بأن حبه هذا البلد لا يمكن أن يكون موضع ملامة أبدا بينما حبّ أقوام يعرض المحب للملامة وهي مقارنة لطيفة .
ويؤكد ذلك ايضا بالبيت الأخير حين ربط بين بقاء الدنيا على خير ببقاء البيت الحرام معظمًا مكرما في أعين المسلمين والعالم وإن ذهب هذا التعظيم ذهبت الدنيا وذهب خيرها .
أرجو أن قد وفقت في هذا الشرح ليس لطرحه كله للطلاب ومناقشته معهم ولكن لفهمنا نحن المعلمين .